السبت، 2 يناير 2016

عبيد خليفي: مصر: التعذيب ومداخل الإرهاب

يعبّر حجم التعذيب في مصر عن حالة إختناق سياسي وإقتصادي يعيشها النظام العسكري الذي إنقلب على إرادة شعبية في الثورة والحرية والديمقراطية، وقد بلغ التعذيب في عهد الفريق عبد الفتاح السيسي حالة من الجنون لم تشهده مصر في العهود السابقة، بل صار التعذيب منهج حكم وسيطرة للتطويع والإذلال والإنتقام، ويزداد التعذيب وحشيّة عندما إقتربت الذكرى الخامسة للثورة المصريّة مع تصاعد الدّعوات الشعبيّة لتصحيح مسار الثورة، وقد سجّلت مراكز رصد إنتهاكات حقوق الإنسان فضاعات وجرائم يرتكبها النظام العسكري من الشارع إلى أقسام الشرطة فمراكز أمن الدولة والمخابرات العسكريّة إلى السجون المصرية سيئة السمعة.
 منذ الإنقلاب العسكري في يوليو 2013 سجّلت مراكز الرّصد الحقوقيّة قرابة 312 حالة وفاة جرّاء التعذيب المنهجي والإهمال الطبّي، يضاف إليها الإختطاف والقتل ثم رمي الجثث في الصحراء والإدّعاء بأنهم إرهابيون ماتوا في المواجهات مع الجماعات المسلحة، وقد بلغ عدد المحتجزين منذ الإنقلاب العسكري قرابة 41 ألف معتقل بحسب ما وثقته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وفي تقارير غير رسمية بلغ 50 ألف معتقل، منهم 29 ألف من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يشير إلى أنّ النظام العسكري يخوض حربا ضدّ كل معارضيه من مختلف الإتجاهات السياسيّة وليس جماعة الإخوان المسلمين فقط، وسلاحه في ذلك التعذيب والقتل الممنهج، ويبلغ التعذيب إلى منتهاه في العقاب الجماعي المسلّط على عائلات المعتقلين من حصار وإقتحامات وتعنيف مباشر يطال أكثر من 50 ألف عائلة، وقد خلص تقرير هيومن رايتس ووتش إلى القول: "لقد أقام الرّئيس السّيسي وأعوانه نظاما شديد التقييد بإعتماده على الإعتقال التعسّفي والتعذيب أثناء الإحتجاز والإستهانة بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، وضيقه بالنقد العلني لنظام حكمه"
في الحقيقة إنّ توصيف المنظمة الدولية هيومن رايتس ووتش لهذه الإنتهاكات لا ترتقي للتعبير عن حجم الجرائم والمجازر التي يرتكبها النظام العسكري في مصر، فبالإظافة للفشل في المجال الإقتصادي الذي جعل الشعب المصري يرزخ تحت خط الفقر  ليموت جوعا لغياب أي مشروع تنموي ناجع، والفشل السياسي في صناعة برلمان من المهرّجين والطفيليين من فنانيين فاسدين وإعلاميين إنتهازيين وقيادات أمنية وعسكرية متقاعدة، فإنّ عبد الفتاح السيسي لا يملك سوى الأجهزة الأمنية والعسكريّة لإغتصاب التأييد الشعبي تحت التهديد والتعذيب والتجويع والإستنجاد بالجوقة الدعائية لنظام حسني مبارك، فالشهادات المروّعة لبعض الناجين من محارق أقسام البوليس وأمن الدولة والسجون أهمها سجن العقرب بطرّة تعبّر عن حجم الإنتهاكات الجسيمة تجاه شباب الثورة ومعارضي الإنقلاب العسكري، فأشكال التعذيب تختزل كل رصيد الشرق الأوسط وتقاليده الوحشية في التعامل مع المعارضين، وهو ما جعل التقارير الدوليّة تجمع على توصيف سياسة عبد الفتاح السيسي في مصر بسياسة القتل البطيء، آخذين في الإعتبار غياب الأفق السياسي للنظام الإنقلابي دون أية بوادر للإنفراج.
إنّ الصمت الدولي تجاه ما يحدث في مخازن الموت المصريّة تحكمه المتغيرات الدولية في سياق الإنشغال بالحرب الدولية على الإرهاب وظهور تحالفات متناقضة في هذه الحرب، ليستغلّ النظام العسكري المصري هذا الإنشغال كي يستفرد بالشعب المصري تعذيبا وتذبيحا، وهو صمت مخزي ووصمة عار لنظام دولي مرهون بمصالح إقتصادية وتحالفات إقليميّة لا تراعي مصالح الشعوب في تقرير مصيرها، لكنّ الخطر يكمن في اليأس والإحباط الذي قد يصيب هذه الشعوب تجاه التغيير السياسي السلمي ليعتنق أفراده العقيدة الجهادية المسلّحة في مواجهة قمع الأنظمة الوحشيّة، ولقد أثبت الإنقلاب العسكري في مصر لدى البعض صحّة رؤية زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري حين قال بأنّ الإسلام السياسي عاجز عن إقتلاع جذور الدولة العميقة المستبدّة وأنّ الإسلام الجهادي هو القادر لوحده على التغيير والتحرير، وهنا تكمن خطورة المشهد المصري تحت حكم العسكر الذي ساهم في تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية من شبه جزيرة سيناء مؤسسا فرعا بصدد تكبيد الجيش المصري خسائر فادحة في المنشآت والأرواح، ولعلّ التجربة الجزائريّة في التسعينات خير دليل على ذلك خلال عشرية الدّم والقتل.
التعذيب الجسدي والقتل البطيء والإضطهاد السياسي هو العنوان الرئيسي لظهور التنظيمات الجهادية المسلّحة، فالحافز النفسي هو الذي يدفع بالشباب للهروب من التعذيب الوحشي اليومي إلى التفجير الدّموي الآني، فحين يفتقد الشباب الثوري روح المبادرة ليقع تهميشه والتصدّي لطموحاته بالأجهزة البوليسية والعسكرية القمعية وتسليط شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي عليه، فنحن ندفعه غصبا للصدّام مع الدولة التي تمارس التعذيب وتشرّع له، وللصدام مع المجتمع الساكت العاجز عن ظلم الدولة، فالسكوت المدني والدولي تجاه مملكة التعذيب في مصر جريمة في حق الإنسانية ستجرّنا إلى دوّامة من العنف الأهوج لتحرق الأخضر واليابس، ولهذا يفترض أن نخرج من طور رصد وإحصاء آفة التعذيب إلى طور التجنيد الدولي في حملة دولية شعبيّة للتصدّي لإنتهاكات النظام العسكري المصري ومحاصرة أعوانه وإعلامييه وكتابه ومنظّريه..

إنّ السكوت على ما يجري في مصر من تعذيب وخطف وإختفاء قسري وقتل ممنهج هو جريمة معلّقة في رقابنا ما دمنا ندّعي الإنتماء لصفة الإنسانيّة...   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق