الاثنين، 20 يونيو 2011

لعنة المناشدة: إذهبوا فأنتم الطُّلقاء

عن المناشدة والمناشدين أستحضر أسماء عديدة منها الفنان لطفي بوشناق وهو يستعدّ ليفتتح مهرجان قرطاج الصيفي،وعالم الإجتماع عبد الوهاب بوحديبة مدير بيت الحكمة.. أنا لا أستطيع أن أنكر موهبة لطفي بوشناق فنانا مبدعا، ولا قدرات عبد الوهاب بوحديبة المعرفيّة في ميدان علم الإجتماع.. لكنّني رغم ذلك لا أستطيع أن أنسى 50 ألف سجين سياسي وأكثر من 300شهيد وآلاف الجرحى.. لا أستطيع أن أقفز على تضحيات شعب وأغفر لهم هذه الفعلة الوضيعة وهم يناشدون ديكتاتورا كي يحكمنا مدى الحياة ولذلك تعالت الأصوات من رحم الشعب ترفض لطفي بوشناق مفتتحا لمهرجان قرطاج.. وجاء تعيين الدكتور محمد الطالبي على رأس بيت الحكمة خلفا لمن سكت 23 سنة عبد الوهاب بوحديبة..

هي لعنة المناشدة التي أصابت العديدين حين ضاعت بوصلتهم، ودخلوا مرحلة اليأس إن لم نقل العهر الفنّي والفكري والسّياسي.. فلا قيمة لفنّهم وعلمهم وانجازاتهم إن لم يقترن بالتفاؤل في إمكانية التغيير الجوهري والثوري... ومن لم يحترم شعبا عليه أن يأخذ وجهه ويرحل عنه.. هكذا فعل بن علي وهكذا يجب أن يفعل المناشدون.. وحتّى لا أكون متطرّفا عليهم أن يصمتوا فالوطن يتّسع لهم كي يعيشوا حميرا وبقرا يأكلون وينعمون ولا ينغّصون علينا ثورتنا.. ولا يتآمرون عليها

نحن شعب مسالم إذ لم ننصب المشانق لبقايا الديكتاتوريّة.. وقنا لهم كما قال النبي محمّد لكفّار قريش "إذهبوا فأنتم الطلقاء.." أطلقناهم وطلّقناهم ليسيحوا في الأرض سالمين.. كم عدّتهم؟؟ 15 ألف مناشد لبن علي 2014.. هذا عدد ليس كبيرا على ثورة سيسجّلها التاريخ في هذا الرّبيع العربي الذي هزّ العالم... نفس العدد هو عدد الذين تقلّدوا مناصب في الحزب الحاكم البائد... ليس عزيزا على ثورة أن تقصي 30 ألفا من التخطيط لمستقبل البلاد بعد نصف قرن من الديكتاتورية البغيظة

المناشدة موقف.. ومن ناشد كان ينتظر تكريما وجزاء من بن علي هو الرّضا والعطاء.. وعليه أن يتحمّل نتائج موقفه من العطاء إلى الإقصاء.. أليست هذه هي الديمقراطية حين راهنوا على طرف إنهزم وهرب ذليلا... فليدهبوا طلقاء ولا يحاولوا أن يعودوا فسيّدهم رحل تاركا لهم ذلّ السنين.. ونحن شعب عظيم رحيم حين لم نجرّمهم ولم نحاسبهم على المناشدة بالسجن وتركنا التّاريخ يكتب أسماء المناشدين والمناشدات على ورق مصنوع من بقاياروث البغال والحمير

عبيد خليفي

17/06/2011

الأحزاب والإنتقال الديمقراطي

لا تفكّر الأحزاب اليوم إلا في الإنتخابات، ويغيب عن تفكيرها مفهوم الإنتقال الديمقراطي.. هي لا تدرك أنّ الإنتخابات ليست قطيعة مع العهد السابق.. الانتخابات جزء بسيط من مرحلة الإنتقال الديمقراطي التي قد تصل حسب بعض التجارب والخبرات إلى جيلين أي تقريبا أربعين سنة ومن أمثلة ذلك تجربة رومانيا، فمرحلة الانتقال الديمقراطي تعني التحوّل العميق من الديكتاتورية المطلقة نحو الديمقراطية المطلقة.. نحتاج سنوات عدة لتحقيق العدالة الانتقالية والإصلاح الهيكلي للمنظومة الأمنية وإصلاح عميق لمفهوم الإعلام ووظيفته

والقضاء على الفساد وإن التفكير في الإنتخابات في حد ذاتها والدخول في صراع مفرد مفرط بين الأحزاب إلى درجة التشتّت والتناحر يؤدي بنا نحو بتر عملية الانتقال الديمقراطي من سياقها التاريخي فترتدّ الثورة على ذاتها نكسة قد تتولّد عنها ديكتاتوريّة جديدة ولنا في التجربة الروسية مثال صارخ إذا قيست بتجربة جنوب إفريقيا بعد حكم الميز العنصري.. سنأخذ مثالا بسيطا عن ذلك في مفهوم العدالة الإنتقالية التي ترتكز على ثلاثة مقوّمات: 1المصارحة، 2 المحاسبة، 3 المصالحة، نجد بعض الأحزاب وبعض المواقف التي تتحدّث عن المصالحة قافزة عن مفهوم المحاسبة، فكيف يمكن أن نتصالح قبل أن نتصارح بأخطاء الماضي ونحاسب الجلاّدين وفي طور المصالحة يمكن للضحيّة أن يعفو ويسامح جلاّده.. إنّ العدالة الإنتقاليّة اليوم في ظلّ منظومة قضائيّة فاسدة لا تستقيم قبل إصلاح جهاز القضاء في علاقة وطيدة بحريّة الإعلام الذي مازال يخضع للتعليمات والتي من مهامه أن يكشف الحقائق المسكوت عنها.. كل ذلك في علاقة بالجهاز الأمني البوليسي الذي إرتكب الفضاعات والجرائم وهيكلة هذا الجهاز واعادة إصلاحه يحتاج إرادة سياسيّة وبرنامجا عميقا للإصلاح

يؤلمني أن تلهث الأحزاب نحو سرعة إجراء الإنتخابات والبحث عن مكسب سياسي هشّ نستطيع أن نخسره في كلّ لحظة مادام الأجهزة الثلاثة: الأمن والقضاء والإعلام لم تتحوّل بعد نحو مفهوم المؤسّسة.. يعني أن التحوّل من مفهوم الجهاز إلى مفهوم المؤسّسة هو تحوّل في صلب عملية الإنتقال الديمقراطي التي لا يفترض أن نستعجلها والتي قد تدوم سنوات ولكن المهم أن تتوافق المجموعة ليس نحو ميثاق جمهوري ولكن نحو برنامج سياسي لترسيخ هذا لتحوّل الديمقراطي

عبيد خليفي 5جوان 2011