السبت، 17 أبريل 2010

عبيد خليفي: نزيف المجتمع المدني التونسي

نزيف المجتمع المدني التونسي

بقلم عبيد خليفي

تابعت في الايّام الأخيرة الأزمة التي تمرّ بها جمعية النساء الديمقراطيات، بعد الحجز على أرصدتها البنكيّة وتجميدها في تحدّ صارخ للدستور والمواثيق الدولية التي تمنـح الجمعيات الغير حكوميّة حصانة تكاد تكون مطلقة، ثمّ محاصرة المقر من طرف البوليس السياسي وممارسة أساليب العصور الوسطى في التعدّي على الحريّات والأشخاص، إنّ مثل هذا التعاطي للسلطة مع جمعيّة النساء الديمقراطيات لم يثر استغرابي، ولا يبدو شاذّا أو نادرا بقدر ما يتنزّل في سياق عام تعيشه البلاد منذ أكثر من عقدين جعل مفهوم المجتمع المدني يعيش نزيفا مستمرّا وانتكاسات مدوّية جعلت من المجتمع التونسي في حالة من الإحباط والتشاؤم.

هذا يقودنا إلى استعراض شامل لمختلف الأزمات التي تعيشها مكوّنات المجتمع المدني في تونس وهي تواجه حربا يومية من طرف السلطة لما يوصّف حالة من الميوعة السياسية والترف الفكري في ظل الوضع المتشضّي للمعارضة الوطنية لأمراض تكاد تكون مستعصية، لنستعرض انتكاساتنا التي استنزفتنا جرحا لم يندمل.

أولى المشاهد هذا الوضع المزري الذي آلت إليه جامعتنا التونسيّة في غياب ممثلها الشرعي والتاريخي الإتحاد العام لطلبة تونس وقد أضحى هيكلا ميّتا بعد حرب ضروس خاضتها السلطة مع مناضليه لتجميد أنشطته ومنعه من عقد مؤتمره الخامس والعشرون متعلّلة بالانقسام الداخلي بين مناضليه، وكأنّ سلطة الإشراف بريئة تماما ممّا أصاب هذه المنظمة العريقة التي أنتجت معظم الرموز السياسيّة في البلاد سواء في صفوف المعارضة أو حتى في صلب مؤسسات الحكم في تونس، والأسماء هنا تضيق عن ذكر مشاربها وانتماءاتها وانتكاساتها،

فالمنظّمة الطلابيّة هي المدرسة الأولى في تونس لتكوين الشباب الذي سيكون رافدا لمكوّنات المجتمع المدني والأحزاب السيّاسية، هناك في الساحة الحمراء في 9أفريل وعند صخرة سقراط تحصّل سياسيو اليوم على شهادة الأهليّة السياسيّة لينصّبوا أنفسهم علينا منظّرين وأبواق دعاية فجّة، ويبدو سياسة تجفيف الينابيع التي انتهجتها السلطة قـد تحوّلت من سياق الحركات الإسلامية نحو سياق المجتمع المدني، لتنتج الجامعة شبابا ميكانيكيّا ليست له مرجعيّة فكريّة أو سياسيّة، ويصبح المفهوم الإيديولوجي مسبارا للضياع الشبابي والانحراف المستقبلي وتخريج دفعات العاطلين عن العمل.

ولست هنا من يقدّم فرجـا لهذا المأزق بقدر ما أحاول أن أوصّف واقعا معيشا، صحيح أنّ التيّارات السياسيّة داخل الجامعة تتحمّل بعضا من الوزر لهذه الحالة المرضية وهذا الانقسام، لكنّ المتمعّن في تاريخ الحركة الطلابيّة يلاحظ أنّ المشهد السياسي في الجامعة كان طوال عقود متميّزا بهذا الاختلاف الذي في لحظات التشنّج يصبح صراعا عنيفا من أجل الاكتساح والسيطرة، وما كان ليدان هذا الفعل السياسي بكل سلبياته وانحرافاته على اعتبار أنه دخل في نمطيّة الحياة الجامعيّة، واليوم نجد أنفسنا نتحسّر على هذه المنظّمة الطلابيّة التي غدت تاريخا مجيدا وحاضرا موجعا لما آل اليه وضعها التنظيمي محرومة من أبسط حقوقها في عقد مؤتمرها.

ويزداد بؤسنا ونحن نرى المشهد الطلابي يغرق في ظلمته نتيجة إغراق السلطة في التعامل الأمني القمعي مع كل محاولة لعودة الحياة والنشاط للفضاء الجامعي، فتطـرد الطلبة من مقاعد الدراسة وتحصيل العلم وتزجّ بهم في الزّنازين والسجون في مشهد سريالي لم يعد موجودا في أعتى الملكيات قمعا وبطشا، وغدا المطلب الطلابي والوطني عموما ليس في عقد مؤتمر الاتحاد ولكن في المطالبة بالإفراج عن الطلبة المساجين، وهو مشهد خزي ووصمة عار في جبين البلاد، ومن المعيب هذا الصمت المخزي على الساحة الوطنية أمام هذه الكارثة التي سنخجل من تاريخنا وهو يكتبها ويدوّنها.

في مسلسل القضاء على شريان المجتمع الجمعياتي كانت "أزمة" الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، رغم أنّ مصطلح أزمة ليس في محلّه لأنّ المأزق ليس من الدّاخل كما قد نتصوّر ونكتب، ولكنّ التوصيف الصحيح هو الهجمة التي تتعرّض لها الرابطة من طرف السلطة خلال عشريّة كاملة أرغمت فيها على عدم عقد مؤتمرها السادس في مناخ ديمقراطي، ولسنا هنا نتحدّث عن جمعيّة مائيّة أو جمعيّة ترابية تقع في مخزن البلاد، وإنما نتحدّث عن عميدة الجمعيات الحقوقيّة في العالم العربي والإفريقي، ومن البؤس أن تجد نفسها محاصرة ممنوعة، ومنهوبة المقرّ، مطاردة المناضلين.

وعندما تكشّف للملاحظين المحلّيين والدوليين أنّ المأزق تسبّبت فيه السلطة ليتجه الضغط إليها سارعت السلطة إلى فرقعة إعلاميّة بالدّعوة للحوار تحت عنوان المبادرة بالمبادرة التي لم يكن لها من غاية سوى ربح الوقت والمناورة أمام الرأي العام والدولي، ووجد الرّابطيون والهيئة المديرة أنفسهم في سلسلة من الانتظار المخيّب وبعض التنازلات التي جعلت منها السلطة حجّة وبرهانا أمام الرأي العام الوطني والدولي على أنّ الحوار سيّد الموقف، وهو سياق عام لترحيل الأزمة نحو المستقبل ولكنّ السلطة لم تكن تحتاج لكلّ هذا الوقت لتبرهن للجميع داخليّا وخارجيّا عن حسن نواياها مادم المشهد يعبّر عن ذلك الانغلاق السياسي والجمعياتي، ولم يبق أمام الرابطييين سوى مواصلة النضال من أجل الحفاظ على هيبة الرابطة ودورها في الشأن العام.

وحدها جمعيّة الصحافيين التونسيين الشرعيّة التي لم تستطع أن تصمد أمام أول محاولة انقلابية ليس لضعفها بقدرما هو راجع لحجم الهجمة عليها، ولم تصمد كهيكل وراحت تتمسّك بشرعيتها التي استمّدتها من أول تقرير عن الحريات الصحفية في تونس، ومارست الدوائر المشبوهة انقلابها الهجين على هيئة شرعيّة جاءت لتعبّر عن هموم قطاع عانى التهميش والإقصاء، إلى درجة أنّ الدوائر الصحافيّة العالميّة لم تعترف بوجود قطاع من الصحفيين في تونس، واحتلّت الصحافة التونسيّة أسفل المراتب العالميّة لسنين طوال. وتجد الهياكل المنصّبة نفسها في كل مرّة في وضع لا يحسد عليه، بوصفها هياكل منقلبة على الشرعيّة لا تحظى بالاعتراف الوطني والدولي، فأذا كانت مكونات المجتمع المدني هي عنوان البلاد ومرجعها فإننا في كل مرّة ومع كل هجمة نفقد عنوانا مركزيّا للبلاد ونهين أنفسنا مدنيّا.

وأنا أتابع معاناة القاضية الفاضلة كلثوم كنّو وزميلاتها ومعاقبتهنّ رفقة قضاة رفعوا شعار استقلال السلطة القضائيّة عن السلطة التنفيذيّة، ورد الاعتبار للقاضي ومنزلته في الحفاظ على العدالة، وجد هؤلاء القضاة الغيورين على سلك القضاة أنفسهم يعانون مسلسل الانقلاب على الهيكل الشرعي لجمعيّة القضاة، وتعرّضوا لنقل تعسفيّة لم تمنعهم من أداء رسالتهم المهنيّة والجمعياتيّة لتمتدّ يد سلطة الإشراف إلى الأرزاق فتقطعها وأصبح السيّد القاضي المحترم بدون راتب شهري يجعله بمنأى عن الخصاصة والحاجة ليسدّ في وجهه باب الرشوة، والمشهد هزلي ساخر عندما يتمّ تجويع القضاة وننتظر منهم عدالة للجياع والفقراء؟

والقائمة تمتدّ نحو قطاع المحامين الشبّان لتفتك بهم خلافاتهم وانقساماتهم فتكون المكاسب للصف الآخر، ونحن نحصي معاركنا الخاسرة، المشهد قد يحتاج منّا بعضا من الحلم والافتراض، ولنتخيّل أن أنّنا نرى مشهدا طلابيّا ثريّا بالحراك السياسي والتحصيل العلمي، وجمعيّة قضاة مستقلّة بذاتها تدير شؤونها بدافع مهني احترافي، وصحافة حرّة تحمي الصحافي وهو يكشف الحقيقة ليعرّيها، ورابطة حقوقيّة تتصدّى لكل محاولة انتهاك لحرمة المواطن وكرامته، وجمعيّة النساء الديمقراطيات وهي تتابع الانتهاك الجسدي للمرأة وتتصدى للعنف المسلّط عليها والمتاجرة بالجسد النسوي ماديّا ومعنويّا... هل يمكن أن نتخيّل هكذا مشهد افتراضي؟ ماذا سيبقى للدعاية السياسيّة التي يتخذّها الحزب الحاكم مبرّرا لمشروعيّة وجوده وسيطرته على مختلف نواحي الحياة؟

قد لا نغالي عندما نقول أنّ هذا الآخر قويّ بضعفنا، صحيح أنّ الهجمة أقوى وأعنف ممّا قد تحتمل منظمة أو جمعيّة مدنيّة لا تملك أجهزة تسلّطيّة ودعما خارقا كتلك التي يمتلكها الحزب الحاكم وأجهزته الأمنيّة والتنظيميّة، وهناك من يتهّم هذه المنظّمات المدنيّة بكونها جمعيّات نخبويّة ظلّت مغلقة على ذاتها فظلّت معزولة عن محيطها الاجتماعي، في حين يرى آخرون أنّ انفتاح الجمعيات يفقدها الضوابط الهيكليّة ويفتح الباب لاختراقها من طرف الانتهازيّة وتدجينها للحزب الحاكم لتكون في الطابور الخامس. إنّ مؤسسات المجتمع المدني واقعة تحت ضغطين: ضغط خارجي قوامه التعسّف السلطوي، وضغط داخلي أساسه الهيكلة النخبويّة، لكنّ تجربة تاريخيّة متميّزة حدثت في الجنوب التونسي أعطت دعما لمنظمّات المجتمع المدني وقرعت نواقيس الخطر بالنسبة للسلطة وهي الحركة الاحتجاجيّة في الحوض ألمنجمي.

كانت انتفاضة الحوض ألمنجمي لحظة فارقة في تاريخ اليلاد وفي العلاقة مع مؤسسات المجتمع المدني التونسي، هي لحظة فارقة حين كسرت الهوّة بين تلك المنظمات والفئات الاجتماعية، وليس غريبا أن نتذكّر كيف تفاعل النّاس في مدينة الرديف مع الرّابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان أثناء اعتقال قادة الحركة في 7أفريل 2008 وعندما طالبوا بالرابطة مفاوضا وحيدا للسلطة، أو تفاعل جمعية النساء الديمقراطيات مع نساء الرديف في كل المحطات النضاليّة، أو التفاعل الشعبي مع مأساة الطلبة ألمسجونين، وتصبح القاعدة التجريبيّة أنّ المنظّمات الأهليّة كلّما التحمت بهموم الناس وقضاياهم كانت منهم ووجدت سندها بين الفئات الاجتماعيّة، ينطبق هذا الكلام على الأحزاب التي خنقتها السلطة محاولة عزلها عن بعدها الاجتماعي مع ارث أركيتيبي لدى التونسيين يرى في المعارضة خطرا مطلقا يشرف على تخوم الخيانة العظمى للوطن، وهو خطاب ما زال الحزب الحاكم يتمعّش منه ترغيبا وترهيبا، مع عجز جليّ لدى كل أطياف المعارضة على ترتيب بيتها الداخلي والدخول في مشروع جبهوي شامل يمنح البلاد نفسا جديدا في مستوى العمل السياسي أو الأهلي المجتمعي ليخرج اليلاد من عنق الزجاجة.

وفي العشريّة الأخيرة إشتدّت وطأة المنع والقمع مع حراك سياسي متميّز إختلفت الأطراف في تقييمه باعتباره إتساعا للشقّة بين تجربتين ورؤيتين متباينتين، وجدنا أنفسنا نتابع تحالفين سياسيين هما هيئة 18أكتوبر بأطيافها السياسيّة، وتحالف المبادرة الوطنيّة بتنوّعها وألوانها. وقد أختلف مع بعض التحليلات حين تحاول تصوير ذلك الخلاف بالتباعد لأرى فيه مرحلة تجميعيّة نحو عمل جبهوي يحمل مشروعا إنتظره الشعب لعقود طوال يخرج الوطن من حالة الجمود السياسي وهذا يتطلّب من الشركاء السياسيين التحلّي بروح المسؤوليّة ونكران الذّات في سبيل المجموعة، وهذا ما نقرأه اليوم في النداءات الصادرة عن الرموز السياسيّة في صفوف المعارضة الوطنيّة تحت وطأة العمل السياسي السيزيفي الذي لم يثمر تحوّلا جذريّا في مستوى الممارسة الديمقراطيّة.

هذا يحتاج مجهودا أكبر بين الأحزاب والمنظّمات والشخصيات الوطنيّة المعنيّة بالشأن العام لنخترق صمت البيانات وتوحيد الجهد لفك الحصار عن المشهد السياسي الوطني، يبدأ ذلك بطرح جملة من الأسئلة تتعلّق بتقييم الواقع موضوعيّا بعيدا عن الحسابات الضيّقة ووضع برنامج شامل لطرح هذا المشروع الجبهوي وتعبئة أغلب طاقات المجتمع المستقيلة وهي تراقب من بعيد بكل حذر وخوف، الواقع اليوم مخيف هروبا من سؤال أين تسير البلاد وقد إنسدّت الآفاق وانغلقت الرؤى باتجاه المستقبل القريب والبعيد، هل سنبقى متفرّجين ونترك مصير الوطن للصدفة في علاقة بالرهانات الوطنيّة.

كلّ هذا يحتاج منّا وقفة تأمّل لا يجب أن تستغرق كثيرا، لننطلق نحو مرحلة الفعل الحقيقي في علاقة بجميع الملفّات المفتوحة على جميع الإحتمالات ما لم نتحرّك بكل مسؤوليّة وطنيّة تنتفي فيها الحسابات الضيّقة والبحث عن المكاسب الظرفيّة لنترك للأجيال اللاحقة إرثا مجتمعيّا متميّزا.

نشر بالطريق الجدد عدد 176 ليوم 17أفريل 2010

الأربعاء، 14 أبريل 2010

عبيد خليفي: الوديعــــة



تذكرت..

أني اشتهي امرأة

أشتهي القصيدة..

كما عمرا ضاع بين دفاتر المحققين

يدوسني الزمن ومضة

وأندس في التراب بلا وجن

يؤرقني عود ثقاب في جنباتي

من لهذا الجلف ينتصب؟

...بلا عدد

...بلا مدد

كيف لي أن أحي بلا عشق

والمومسات يسرقن الوميض من

خصيتيّ..

ماذا اشتهيت؟

جمال الصورة في وجنتيك

والعشق يهدهدني بين شفتيك

من أنــا

حين يصرخ طفل وجعــا

من أنا حين يطول الليل ألما

من أنا يا سيّدتي حتى أشتكي

في بعدك الأزليّ

في صدّك المغترب فينا

طالت المسافات

لم تكن صورتك مبعثا للنهايات

طالت المسافات

لا سنّك يرعبني

ولا بعدي يهجّرني عن الحكايات

ولكم تمنّيت...

أنت هنا فيّ قمرا

أم جرح عابر في كلامك الأبديّ..

في التراب ظلّي

على الريح بساط يتّسع لنا

قد يحملنا هناك

والبحر في هواك غربة...

ولكم تمنّيت ثم اشتهيت..

أن أكتب حرفا بظلك البارد

والحلم سرابك الشارد..

ونسيت

كم نسيت

أنّ الغيوم غطائي

وأنّ الهموم نسائي

اللّوات تخيّلت..

كـــم تخيّلت... كم تخلّيت

كم تمنّيت

عروسا في منتهى الشهوة

ساعة غروب...

عبيد خليفي



الثلاثاء، 13 أبريل 2010

نلتقي على عشقها

للّتي عشقت مدينتي
هيّجتني عشقا وجروحا..
كمدي..
ألمي..
ونفسي تعشق التي تعشقين
لا بدّ نلتقي..
وأنا شاعر أقتفي..
أثر العاشقين..
لا ينمحي..
كيف عشقتني.. كيف..
من وجعي أم من صهيل اللّيل والخيل..
ينام المسكين على ساعدي
والليل .. لا ينجلي..
بك أم بالحرف سأحتمي..
لهيب الشوق سيفك والمقبض في يــدي..
من أغراك بمدينتي..
من أشقاك بالدّمع في مقلتي..
والبدر لا يعترف بظلمتي..
سوسنة شقيّة بالعشق لا تنتهي
وصايا الأنبياء بالمدائن الثائرة لا تنتفي
أوّل العمر كآخره.. بك يحتفي
رمرمت في محرابها روحي وأنا لا أشتهي
...
عبيد خليفي

الاثنين، 12 أبريل 2010

على الهــامــش

على هامش القمّة.. على هامش النّدوة.. على هامش الملتقى... مللت هذه العبارة التي تتكرّر كل يوم على مسامعنا في وسائل الأعلام الرسميّة، وما يقال عن ذلك الهامش أكثر ممّا يقال عن أصل الندوة ومتنها.. وتلك من سيماتنا أنّنا نعيش على الهامش لنكتب الهامش وننتج الهامش.. ومن الهامش تكون ثقافة التهميش والهوامش والمهمّشين المساكين..
على الهامش والتهميش كنّا نحن المهمّشين نسخر من صحافتهم وعباراتهم التي تجترّها عنزتي كل صباح ومساء وتتقيّؤها في مزابلنا الوطنيّة بقرار بلدي محترم، سيصدره المجلس البلدي القادم، سيكثر الهامش ويتسع لجحافل المعطّلين وخريجي السجون والمومسات والمشرّدين في الشوارع والمقرّات الحزبيّة والجمعياتيّة..
على الهامش سنلتقي لنتشاور كما تشاور زعماء الأمّة، وتناقش المؤتمرون، وتناضر الضيوف.. تعبت من الهامش في الكتب وهو يختلط بالمتن، لم أعد أميّز بينهما وقد اختلطت المفاهيم والمنجزات.. مصيرنا ينجز في الهامش هكذا تقول نشرتنا الإخباريّة.. لم أقل هذا..
يحـيــــا الهامـــش.. يحيـــا الهــامشيّون..
عبيد خليفي



الجمعة، 9 أبريل 2010

بغـــداد: ليلة السقوط والذّاكرة الهـشّـة


سقطت بغداد.. هل ما زلنا نتذكّر؟؟ سقطت.. وفي السقوط يكون الجحود والقنوط.. وتكثر الأسماء والأشياء.. دجلة كذبـا والفرات عذبـا، وناظم نظما، العتابة حنينا للقصب الريفي، والمحراب العلويّ لبابل ينشد، وأربيل لا طيرا ولا الأبابيل، والكرخ والرصافة،، والعيون واسعة المحاجر تبحث عن جمالها في حروفي وجروحي.. سقطت بغداد نصف الكلام.. سقطت حين عزّ الملام ونحن نيــام...
الدبّابة تدوس الخيمة في ساحة الفردوس. والذّبابة تحطّ على جثّتي تمتصّ دمـي، الرّبابة تنحرني شجنا وجحيم الحمم تقذفه ذكرياتنا المرّة عبر البوّابات العتيقة وهي تفوح برائحة شراب العرق الفاســد، بحر من الخمر لن ينسينا مشهدا كهذا نعيشه مكرّرا مجرّدا..

سقطت الرايات، سقطت الحمامات، نحن سقطنا قبل البدايات السّاقطات في وحش النّهار، ونمت فينا تلك الأمسيات نبكي جروحنا، نجرّح خدودنـا، نلطم صـدورنـا ونحصي عثراتـنـا في المـرايــا..هـــل ما زلت تتذكّــر؟ بغداد تفوح بعرق الفاتحين من الحوض المكّي، أعرابا وأيتامـا على الجياد قادمون.. والنهر يحتضن الفارين من الشياح والعطش والأرض اليباب..

التاسع من أفريل، انتهى الفصل الأوّل من الموت النظاميّ بالخيانة المرعبة، التاسع من أفريل بداية للدمّ الفائر الفائض في الطرقات والأزقة والأنهار.. بحر من الدمّ لن يغسل خياناتنا القديمة والحديثة، بحر من الهمّ والغمّ يجثم على صدورنا ونحن نشرب نخب أمّـة خرجت من غار حراء تتظلّل بالنخيل وتتلثّم بالرمل من لهيب الصحراء..

بغداد.. التاسع من عمري بلا معنى غير الفجيعة والوجيعة والنكاح بلا شهوة في الهزيع الأخير من ليلنا المثقل بالهزائم.. وسننتصر على فروشنا الوثيرة باللّحم الأبيض الرّخيص المبتذل بالدّولارات، وستتذكّر حين يطول المخاض بالزانيات ونحن نخفي عورتنا أمام ذواتنا الموجوعة الموؤودة بالرمّل بين ثنايا الربع الخالي.. هناك حيث الدّفن على أصوله..

بغداد.. أنا ما عرفتها إلا خيالا، وحكايا ذاك الدّامي المهوس بها عن الاسم الذي يضيق بالمسمّى، والحسرة تغرق عينيه..سيّدي وحبيبي أنت منّا وفينا بالتي لا تحفظ غير اسمها وهي تهدم البيوت وتحرق القصب على ضفاف الأنهار وتهدر الأرواح لتدفن أشباه الأسماء في الأهــوار..

رأسي شاب وأنا رجل لا أعــاب، التاسع من أفريل للحزن الغوليّ والذاكـــرة المرّة لدير ياسين، وتونس، ولوقفتي بين الرجال من أجل الرجال، ولبغداد سيّدة المقام وهي تذبح بسكّين صمتي ونحيبي، وهروبي نحو بياض لا يغنيني عن فجيعتي بها نزيفا أزليّــــا..

عبيد خليفي

الخميس، 8 أبريل 2010

التاسع من أفريل : للشهــداء نصيب من الكلام

فريل عيد الشهداء.. كيف يمكن أن نحتفل بهذا العيد؟ هل سنقرأ الفاتحة على قبورهم صبيحة العيد في موكب شعبويّ ساذج أم علينا أن نبول على قبورهم كما أوصانا المرحوم صالح القرمادي حين رثى نفسه شهيدا؟ مساكين أولئك الشهداء.. هــل كنّا أهـلا لتضحياتهم ودمائهم الزكيّة الطاهرة.. هم دفعوا لنتحرّر تحت اسم مستعار اسمه الاستقلال، ماذا لو نهضوا من قبورهم ليروا الحريّات تباع كعلب السردين في المغازات العامة، والديمقراطيّة يحوكها خيّاط فاشل..
شهد، يشهد، شهادة، شاهد جمعها شهود، وشهيد جمعها شهداء، واستشهد، يستشهد، مستشهد وجمعها مستشهدون.. لم نجد في صياغاتها اللغويّـة ما يخرجها عن سياقاتها التأويليّة.. هذا الذي يهب نفسه ودمه للكلمة الرّمز.. الأرض والوطن بتفسيرنا لا بتفسيرهم للوطنيّة وهم يمنحونها بالمقاسات والمقامات.. ويشهد الشهيد أنّنا ما كنّا غير تجّار دمـاء ومواعظ وفتن للغابرين، وعلينا أن نستشهد ونحن نستحضر قوائم الشهداء وذاكرتنا المثقوبة تتسلّل منها الأسماء والأشيـاء..
لم أبلغ من العمر سنينا لأعرف معنى الشّهادة ولهيبها الوطنيّ، لكنّي تألمت لطوابير شهداء الحريّة والخبز، وشهداء الوطـن المستقلّ تحت نيران الإخوة الأعداء.. لن يفصلني التاريخ والزمن عن آخر الشهداء.. الحفناوي مغزاوي وعبدالخالق عميدي وهشام بنجدّو هذا ما دفعت الرديف في انتفاضتها بالحوض المنجمي..
أحسّ أنّ كل قطعة خبز في فمي تغمس في دمائهم فأكتوي بنارهم.. سال الدم رقراقا دافئا حزينا في شوارعها تلك المدينة التي تحتضن جثامينهم.. هل علينا أن نفتخر بهم أم أن نشعر بالخزي والعار لأنّنا قد ننساهم في وهج الحياة ولهيبها..
من يستطيع ان يمنح صكّ الشهادة حين راحت عائلاتهم لتضع رخاما على قبورهم كتب عليها كلمة "شهيد" فيمنعون بالقوّة والتهديد؟؟ ولكنّنا نقشنا أسماءهم على قلوبنا وجعا ووفاء مطلقا، يمكنهم أن يحملوا كلّ رخام الأرض وينقشوه بانجازاتهم وأوهامهم الكاذبة وقصائد البلاطات..
الشهيـد قصـيد، دم الشّهيــد عتيد عنيـد.. على مصير البلاد شاهد وشهيــد.. مضى الحفناوي وهشام وعبد الخالق سخريّة من الجوع والفقر والبؤس الوطني جــدّا..
عبيد خليفي

الأربعاء، 7 أبريل 2010

قصيدة: الفــيـــض


أنا ما كنت أبحث في هواك عنّي...
وأبحث في همساتك عن فنّي..
يرهقني الاقتراب ويعذّبني التدنّي..
ليس في الحب عجلة ولكن لا تقاس العيون بالتأنّي..
أنا لست في هواك سوى قالبا للتمنّي..
وطيفك يحطّ رحاله بالهجر والتجنّي..
ربّي.. ربّ الأوطان عليهم أعــــنّــي..
ينساب العشق فيضا مــنّي..
ينســـاب طيـــرا..
ليس الحبيب مولــــودا بالـتّـبـنّي...
عبيد خليفي

كمــا قال الـشاعـــر

كما قال الشاعر.. هو عنوان الفلم الفلسطيني للمخرج نصري حـجّـاج، من 65 دقيقة، عرض ضمن فعاليات المهرجان الرابع للفلم الوثائقي بتونس، وكان ذلك مساء 3 أفريل 2010 بالمسرح البلدي.
كان الفلم على قصره سيرتين متداخلتين: سيرة الشاعر محمود درويش، وسيرة فلسطين القضيّة.. ويبدو الطرح متميّزا لنشاهد صورة الوطن من خلال الشعر، أو كما قالها الشاعر ورآها لننتهي في آخر الفلم ونحن نرى صورة الشاعر محمود درويش كما رسمها الوطن.. من يرسم الآخر؟؟ تلك هي صورة العلاقة بين درويش وفلسطين.
الفلم من الناحية الفنيّة كان متميّزا وقد كان المخرج واعيا تمام الوعي بضرورة عدم السقوط في النسخ الجاف خلال التوثيق، وترك القصيدة تتكلّم عن درويش وفلسطين وراحت الصورة برموزها ودلالاتها، تخترق المخيال الشعري والمخيال الرمزي للفضاء للأنسان والأشياء والهواء.. للعصافير وهي تحلّق بعيدا، للأطفال وهم يتلعثمون بكلمات درويش درسا في عشق الأرض..
"على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة.. سيّدة الأرض.." ... الفلم يغري بالمشاهدة والمعاشــــــــــــرة...
عبيد خليفي

الثلاثاء، 6 أبريل 2010

أمّ العرائس..أمّ الحـدائـــق المعلّقة

أمّ العرائس..أمّ الحدائـــق البابليّة
مدينة أمّ العرائس تقع في الجنوب الغربي للبلاد التونسيّة لمن لا يعرفها، وفي حمّى الإستعداد للإنتخابات البلديّة قرأت في مكان ما أنّهم أنجزوا بها أربعين منتزها بيئيّا؟؟ ذهبت إليها لتصيبني هستيريا من الضحك المجنون كنت أمنّي النفس أن تغيّر المدينة اسمها من أمّ العرائس المنجميّة إلى أمّ الحدائق البابليّة... 40منتزها؟؟ وتذكّرت ما قالته لي إحدى السائحات الفرنسيات عندما مرّت بها وهي تصف البؤس والفقر والتلوّث :"هل يمكن أن يعيش الكائن الانساني في هذا المكان البائس؟؟"
ستعود صديقتي هذا الصيف بعد الانتخابات لتجد الربّ على أبواب وهو يجازي الناس بالدخول الى جنة/جنان أم العرائس أفـواجا أفواجـــا...
عبيد خليفي



في اطار مهرجان الفلم الوثائقي في تونس من 1 أفريل وحتى 4 أفريل 2010، شاهدت مجموعة من الأفلام التي تحتاج وقفة متأنية قراءة وتفكيرا.
أولى الأفلام كان بعنوان "المبادرة العربية" للمخرجة الدانماركيّة لوت ميك ماير ، بطول 58 دقيقة، ومحتوى الفلم متابعة معيشيّة لحياة عائلة دانماركيّة في القاهرة عاصمة مصر بعد أزمة الرسّوم المسيئة للرسول محمّد، والفلم من الناحية الفنيّة يعبّر عن اشتغال جيّد على الصورة ورموزها في غياب الكلمة والتعبير. لكنّي استخلصت جملة من الملاحظات بعد مشاهدة دقيقة لعلاقة الأنــا بالآخـــر:
* العائلة الدنماركية التي صوّرها الفلم هي عائلة محافظة دينيّة رغم التكوين الأكاديمي لربّ الأسرة، وبالتالي فهو يقدّم رؤيا غير موضوعيّة ولا علميّة غير متسلّحة برؤية نقديّة لتأسيس حوار بين الأديان.
* حاول الفلم أن يأسر إشكاليّة الحوار/الصراع بين الأديان في الاطار المؤسساتي الرسمي ولم يعالجه في المجال الشعبي، حتى وان نزلت المخرجة الى الشارع لتحاور صحفيّا بجريدة الأهرام ليقدّم صورة مبتذلة عن رؤية الأنا المسلم للآخر المسيحي الغربي الدنماركي.
* نفس الرؤيا الفنيّة التي تتحكم في الفلم وهي تركّز على صورة القاهرة في الليل هادئة أو عند الغروب وهي تغرق في التلوّث والغبار في صورة قاتمة توحي بالاكتئاب، وبين القاهرة في النهار الغارقة في تعليق اليافطات الانتخابية وحملاتها المجنونة نحو الكراسي الرسميّة.
* ينهي البطل أو ربّ الأسرة مهمّته في مصر إراديّا في آخر الفلم، ولست أعلم هل كان ذلك تعبيرا عن فشل المهمّة؟ أم أنّ هذا الحوار لم تحن ظروفه وشروطه؟ وان كان الاحتمال الأول أقرب في نظري.
أعتقد أنّ هناك ثلاث مستويات للحوار بين الأديان: في المستوى الشعبي، وفي المستوى الرّسمي المؤسساتي، وأخيرا في المستوى الأكاديمي، وبين هذه المستويات الثلاثة نجد الفلم قد سطّح المستوى الشعبي، وأفشل المستوى الرسمي المؤسساتي، ثمّ غيّب تماما المستوى الأكاديمي العلمي وإن استحضر بعض الباحثين التيولوجيين في المجالين الاسلامي والمسيحي.
عبيد خليفي
باحث جامعي

الاثنين، 5 أبريل 2010

عبيد خليفي: مـــــاء آســــن

مـــــــــــــــــــــاء آســــــــــــــــن

الوطــن بـركة مـاء آســـن، ودماؤنا تلوّثت بحبر الجرائــد القذرة، بطوننا تسمّمت بالموائد العفنــة.. هل كان عليّ أن أكون ركيكا حتى أصف حالنا.. نحن نسابق لغة تمتـدّ كـوبـاء قاتـل.. يرغموننا أن نرتشف من مائهم الفاسد.. الهواء بالغبار ينثر الموت فوق رؤوسنا وعلينا أن نصبر، والبحر يفتح جحيمه لشباب يحلم أن يغنم.. قطعة خشب تكفي للوصول حيث لا وطن، وربّما أقلّ منها ستكون تابوته المزيّن المحمول على أكتاف الحالمين العابثين الخائبين..
أتذكّر عمرا راح بلا تجريد جارح أو تعذيب صارخ.. تذكّرت وما تخيّلت أن تصبح البلاد رمادا للرجال وحنينا للمستنقعات والبرك الضحلة.. وبكـاء وعويــلا مجنونـا.. خمسون سنة ونحن نندب الحياة بوهج شديد والحصاد يحترق قبل نضوجه، وشبابنا يعلّب قبل بلوغــه.. خمسون سنة لم نغث فيها حتى ندّخــر للسنوات العجــاف.. هيه والبقرات السمان يأكلهن العجاف.. يأكـلن الأخضر واليابس ونحن عجاف خفاف في موازين السفهاء والأغبيـاء..
الّراعي والرعيّة.. والمرعي يكتظ بالأعشاب المسمومة.. خمسون سنة من المواطنة المثيرة للضحك الهستيري.. وأن تكتب عن مرعاك الكثير من الحكايات والخرافات وتتوهّم أنّـك ستحيى أكثر في جنّة الأغبياء والأشقياء.. الوطن هناك يمـتدّ طيفا والإنسان وهم كاذب.. أنت وأنا بلا معنى.. والمعنى لا يمتلكه الذين سكبوا الزيت على الماء، ولكم كذبـــوا علينا.. كم كذبوا حين توهّمنا أن المرعى للرعية وانّ الوطن للجميع والقطيع.. حسبي الله نعم المولى ونعم السّميع..
الفقر هواؤنا اليومي... قالوا لنا الفقر هو قــدر، كدنا نقتنع أنّ الفقـر قدر لكل البشر وعلينا أن نشمّـر سراويلنا وننحت بقايانا من أوساخنا وقاذوراتنا اليوميّة.. الوطن نتن بما رشح عن مجالسه بمداولاته ونقاشاته.. أيّها السّادة أجهدناكم.. أتعبناكم.. أزعجناكم وكدنا نكتم أنفاسنا خوفا على راحتكم وانتم تجتمعون لترسموا خريطة الوطن وتقسّموها بينكم.. لا تغضبوا.. لا تغضبوا من غابت حصته فجسدي يسدّ الحاجة من بقايا العبيد والرعيّة.. لا تغضبوا الوطن للاستئجار فتداولوا على الغنيمة..
خمسون سنة ونحن نكتب ولم نتعب، خمسون سنة ونحن ندخل لنخرج، خمسون سنة من السقوط المدوّي للنخيل.. ليس لدينا جدار نسند عليه ظهورنا التي ألهبتها السياط الفاجـرة ، والحبال الفارطة من مقصلة الإعدام.. ولكم حلمت بالربيع حين امتدّ هذا الخريف منذ الأزل يرسمه شيطان أهوج، من نصّبه علينا وصيّا أبـديّـا ينخر أمعاءنا ويملؤها ترابا ويعمّرنا خـرابــا.. أنــا لا أثق في حــربه للنّـوى وسلـمه للهوى، فكيف وقد جنح قوّادوه نحو أيتامنا يجوّعونهم ويشرّدونهم..
اليتم يشرّدنـا بين الحانــة والزّوايـــا، كــلّ في سكـرته يسبح في هــواه، الوطــن لا يحتاج خـمرة الحـلاّج ولا خمـرة أبي نــواس وبشّـار.. الوطن بلا جسور نحو القادم.. نهيم على وجوهنا بلا أمل والحلم تحوّل كابوسا بين مفترق الطرقات التي توهّمناها بلا عثرات أو سقطـات.. تائهون، ضائعون، شـاردون مشرّدين.. لكنّنـا نكابر عجزنا ونرتمي في أحضان العهـر والقهر وندّعي علم السّابقين واللاحقين..
الحـزب، الحـرب، الحــزن.. ما أقرب المفردات من بعضها وقد تجانس فينا الحزن بالحرب في الحزب، ولكنّنا نبحث عن مفردات تكفي لتوصيف مجاعتنا ورعبنا من شيطان رسمناه بأنفسنا ونّصبنـاه مرشدنا وهادينا إلى الوحشة والغربة والضياع.. خــذ بيدي رفيقي، مذ خمسين سنة وأنا أتحـسّس طريقي في ظلمة المتـــاع والجيــاع، أتحسّس أنفاس المساجين وهم يلفظون ما تبقّى من زهرة العمــر.. وغاب عن التجانس الحـب.. نحن لا نعرف كيف نحبّ ونعشق.. قتلوا فينا الحب بحربهم..
في الرديف، تلك المدينة الملعونة، يحدّثني أبي أنّ الرّاية لها عمرا أطول من أعمار حامليها، وأنّهم حتما راحلون وتاركوها مثلما تركهم أسيادهم قبل خمسين سنة.. وخمسون سنة والـرّايـة ترفرف ولم تطرد ذباب المزابــل والقمامـة، وما حجبت عن أعدائنا عوراتنا، تكشّفنـا.. وما تقشّفنا.. ومـا أذهبت عنّـا حرّ الصيف ولهيبه.. تمضي السنون كالجنــون، والبؤس يوزّع بالطابور في وطني، جـــوع وخضـوع ونحن نجـلد ذواتنا ونبحث عن أخطائنا وكوارثنا..
الشهداء أكــرم منّا جميعا، لم أشعر بمعنى هذه الجملة إلا عندمــا لامست أناملي جثمان الحفناوي مغزاوي، ونحن نحمله على أكتافنا نحو قبره الأخير.. ويلي على نفسي.. ويلي على وطني يشرب من دمي ولا يساويه، في سجني تخيّلتني أحمل بعده عبد الخالق عميدي بعد أن حمل الرصاصة في خصره خمسون يوما.. أنا لا أحتاج ذاكرتي كثيرا لأستعرض قائمة الشهداء.. الجرح اكبر منّي ومنّا، وأشـرف منهم جميعـا.. هــل كنّا نحتاج كــلّ هذا الــدم لنرتوي من جموحنـا وعنفنا الوحشيّ..
المشهد لم يكتمل لكنّه ينذر بالفضيحة.. والــدم بين أرجلنا يسيل قمعا وبطشا وعطشا.. كيف لي أن أحي بينكم حاملا لوائي وحزني.. أنا رجل مهزوم بما أرى في عيون أطفالنا، والحيرة تقتلع البسمة من الصبايا وهنّ يهجرن المرايا.. ما لهذا الجمال من فتنة سوى الوجوم على شباب ينضح بالخمر والميسر والعثرات الفالتة من مصاحفنا وبياناتنا الرّسمية والعرفيّة.. كتابك خــرابك، كتابك عذابك...
خطب الخطيب، كم خطب ونثر الحروف فوق رؤوسنا كالأسبرين.. لكنّ صداعــا استفحل بنـا كالورم الخبيث وهو يضحك من عقولنا ويسخـر من أعذارنا وأوهامنا البائسة.. خطب الخطيب وفي جعبته الكثير من أحلامنا وأوهامنا.. صفّق المهرّجون وضحكوا.. كم ضحكوا من بؤسي ومن حزني ومن جوعي للكلمات الشاردة من معاجم السّفلة وقطّاع الطرق.. كم ضحكوا منّي ومن جهلي..
خمسون سنة.. فشلت مرّة في العدّ وأنا أبحث في وطني عن عود الندّ.. خمسون.. السنة أوسع من أمالهم، والعمر أضيق من تجاربهم، الشيطان يعيش ألف مرّة لكنّ هذا الشعب لا يعرف كيف يعيد الكــرّة.. خمســون.. ونعجتي جــاوزت الخمسون، ضرعها يابس شاحب لا يدرّ لبنا أو خمــرا.. والمرعى يباب.. والسّمــاء كالحـــة لا تنذر بالمطـر.. ولن تمطــر.. لن تمطــر..
البركة ستتعفّن أكـثر فأكثر...
عــبـيـد خـليفي
بـاحث في الفكر العربي الإسلامي
وسجين الحوض ألمنجمي

عبيد خليفي: النازعـــات الغارقـــات

الـنّازعات الغارقات
8 مـارس.. البــرد قارص.. ونحن نستورد النّساء من غرب البلاد ونعرضهنّ للبيع على الساحــل الشرقيّ، تلفظهن معامل الخياطة ومصانع النسيج فيترنّحن على أرصفة الشوارع.. اللّحم الوطني يعرض بكاء وعويلا وهنّ يتوجّعن لذّة وألمـا، أشاهد تلفزتنا الوطنية جـدّا وهي تتغنّى بحقوق المرأة فيزداد عويلي وحنيني..
أرتحل في جغرافيا البـلاد لأبحث عنها حبيبة وفيّة لي ولنفسها.. أرتحل في البلاد.. لا شيء يغريني بمواصلة الرحلة بحثا عنها، أرتحل في نفسي لأبحث عنها رفيقة تحمل المشعل من يدي عندما يحترق ساعدي.. وأتعب.. هل أرثي حالها أم حالنا أنّا جرّحناها لحمـا وعرضناها صورة بلا معنى..
هل سنعتذر لهنّ.. عن ماذا.. عن قرون من العبوديّة المـرّة، توجعكنّ الذكريات.. جواري للأمير وسرايا للوزيــر، وما زلتنّ تحتفلن بشهرزاد حين أرغمت شهريـار أن يحفظ حياتكنّ للأبــد.. اللذة والـذبح خياران مرعبان.. هل كانت حريتكنّ رهينة الحكايــا، أم إشهار زائف يعلّق على جدار يتهدّده السقوط..
مداجـن الجامعات تفرّخ الفــراغ، والفقر يرتــدّ بنا نحو أقدم مهنة في التاريخ، أموالنا لسنا ندري مصادرها ولكننا أيضا نجهل مصائرها، نتبجّح أنّكـنّ نصفنا الآخر، ولكننا نحملكنّ عورة في داخلنا وتحمرّ وجناتنا لعريكنّ واختلاطكنّ.. والخيمة الحجاب تحجب خيوط الشّمس عنك.. الخيمة تغريني بالاختـراق.. وحدها الرياح ستقتلعها..
المرأة في الرديف صنعت مشهد عزّ وأدهشتنا.. كنّا قاصرين حين قصّرناها وعذّبناها سجينة بين جدران خوفنا ودونيتنا، الدّاموس صنع الرجال ودفنهم والفقر جعل نساءنا تدفعنا نحو الجحيم.. اللعنة مشتركة نحن في خندق العذاب اقتسمناه.. خبرناه وجرّبناه.. ما عاد لنا تاريخ نختزنه عندهنّ.. التاسع من أفريل، السابع والعشرون من جويلية، العاشر من ماي.. نساء الرديف يكسرن الطوق يحرقن الصّمت ليوجعننا حضورا صارخا ذابحا أزلام القوّادين الفاسدين.. يوم بيوم.. هنّ دفعنا أياما حين كان لنا يوما..
حتى لا ننسى التاسع من أفريل 2008، الرجال تحت النّعال القذرة، دم يسيل من بين شوارب الرجال، تخرج النسوة.. تبّا لهذا التأنيث في التسمية وفقيه اللغة يقول لي إنّ التذكير في اللغة العربية أصل والتأنيث لاحق.. فهل كانت نساء الرديف لواحق لأشباه الرجال.. نسوة الرديف يخرجن بالتحدّي ليكسرن حصارا مكلوبا وينثرن أجسادهن في ساحة المدينة يفدين الزّوج والابن والأخ والأب.. لا عودة للمنازل حتى يطهّرن المدينة من بقايا المزابل..
السابع والعشرون من جويلية 2008، تعلّمن الكثير من وجع الاقتحامات والمداهمات، والخطف والنهب والاعتقالات، البيوت من دون الرجال خواء وهباء، تعوّدن على الخروج كما تعوّدن على الجروح، في حضرة الكلاب عطرهنّ لا يفوح، تكشّف فيهنّ الوطن المذبوح.. الرجال في السجون، ما تزيّنّ ولا لبسن مصوغا ليخرجن في مسيرة الحريّة، جبن الشوارع والطرقات وحناجرهنّ تطاول السماء وتعصف بالخلاء.. والبدلة الزرقاء تعترضهنّ لتسيل الدموع وتطفئ الشّموع، وما بكين إلا لغيابنا الوحشي.. طاردوهنّ.. أسفي على الرجال يحاربون ضلعنا الأيسر..
العاشر من ماي 2009، كنّا هناك في السجن، كانت جمعة وزعرة وفاطمة وخديجة ونورة... وأخريات أسماؤهنّ من سيماتهنّ والعشق يستفرد النساء بالقمع والعذاب.. ونحن في السجن يهجرنا النوم دون أطيافهنّ.. تسلّلن في العتمة، وسلكن سبلا كنّا رسمناها لهنّ.. وهذا أمــر دبّر بليل.. وانطلق الاعتصام في مشهد كرنفالي يوحي بالتحدّي والعصيان.. صوت مرسال يغدو.. صوت الشيخ يشدو.. وجاءت العصا والنياشين لترهب وترعب.. وكنّتنّّ.. المشهد لا يكتمل إلاّ بثلاث.. فكان الاعتصام ثلاث ليال وثلاثة أيّام..
النساء في الرديف ربيع اليلاد ووردها.. يطردن خيالهنّ من الصالونات والمقاهي ليرسمن الوجد بالفمع والعشق بالطّوق..
وأخريــات برفع التأنيث عنهنّ يكتوين بالجمر والحرمان منذ زمن بعيد.. يدركن أنّ المسيرة ستستمر وتستمر
هناك حيث مصيركنّ تعرفن أنّ العصى الغليظة لن تصمد امامكنّ في وهجكنّ..
عبيد خليفي

عبيد خليفي: الــوصــــــــــايـــا

من سجين سابق إلى سجين حاضر
من عبيد خليفي إلى حسن بنعبد الله
الـــوصايا

مرّت الليلـة الأولى يا حســن..
والثانية نمضيها معا، نبكي حالنا.... ونبكي حالهم بـلا شجن، ستمرّ الليالي بلا وسن تلامس فيها أطياف الوطن...سنجتـاز الجسر نحو ضـفّـة الجوع والمحـن... هل كنت تحتاج هـذا الامتحان ليمنحوك صكّ الغفـران... خطفوك منّ بيننا في عزّ الفرحة والمشهد مغر بالفجيعة والخديعة... عاداتهم تلك من عوائدنا، لم نخجل منهم فالذي تعرّى مـرّة قد يتعرّى ألف مــرّة..
في الليلة الثالثة من سجنك الأبدي ستعرف أنهم ما خلقوك وما سجنوك لكنهم حرّروك من خوفهم الأزلي فينا... تعبت يديّ حين لم تتعب سياطهم على ظهورنا.. تعبت يديّ حين لم تتعب غرائزهم وهي تغتصبنا في اليوم ألف مــرّة.. لكم الأمر يا أولي الأمر.... لكم الطاعــة ولنا المجاعة، ووهبناكم أنفسنا... فبــئـس البـضاعـــة...
في اللّيلة الرابعة حسـن ستتذكّـر أنّ هذا العالم أوسع من قاماتهم الفارعـة وهاماتهم الفارغة، وأنّك في سجنك أقوى من كل الذين حاربوك لحظة أسروك، عالمك الجميل يمـرّ عبر ثقب إبرة، ماذا لو حرموك من الشّفق المغري بالشهوة، لا تحزن يا حبيبي لا تحزن.. فالقمر يعرف كيف يتسلّل إلى الزنازين ويختلي بالعاشقين والنازحين.. يناجيهم حين يسلوهم عشقا مرمريّا عذبا.. القمر لا يبتسم إلا للرجال والجبال، وأنت يا حسـن رسمت بلدتك الرديف بين سفوح الجبال لتقيها حر الصيف وبرد الشتاء وبعضا من تلك الخيانات.. ضحكت منك تمشي هادئا وعقلك لا يكتظ بالمزايدات والحسابات.. إيه منك وجعي..
في الليلة الخامسة ستتذّكرني.. أنت قطعة منّي يا حسن.. أنت بضعة منّي.. كم أحبك قريبا منّي بعيدا عنّي.. الجدار سميك وهو يفصلنا، والمسار جميل وهو يجمعنا.. وقضبان السجون ساعة وجد وبكاء مجنون.. قضبان السجون أوجعتنا حين أوهمتنا أنّا فقدناك زمنا، أو ربّما سنفقدك إلى الأبــد.. الأرض تتّسع لنا جميعا، والوطــن أضيق من فم رضيع يتلمّس الحرف.. العرق يرشح بين أصابعي، ترتعش يدي.. يديّ ربّتك.. رعتـك.. أثمرتك.. لترسل أحلامك.. هناك حيث سخريّة السجّان وضحكة الغبي الجبان.. داخل السجن وخارجه الأمــر سيّان ونحن نحارب الأوثان...
اللّيلة السادسـة تؤذن بالخراب والعذاب، تطلّ على الرقم المفزع الذي أبكى شعبا بأسره، لن تسأل عنّا يا حسن لا فرق عندنا بين المنحة والمحنة، ولا فرق عندنا بين الارتهان والامتحان.. سقف السجن ليس عاليا لامسته يديّ قبلك والثقب يهرّب نفسا ضعيفا كئيبا، تستطيع أن تتنفّس برئة واحدة وان تمنحنا الثانية لتكفينا عمرا آخـر.. لا تحزن حبيبي فمن أوجاعنا تعلّمنا كيف نعانق جبال الرديف الصامدة الشامخة.. لا تحزن فمثلك يولد فينا فرحـا طفوليّا ممزوجا بالحيرة والبسمة المتعبة..
في الليلة السابعة من سجنك ستلعن الأعداد الأرقام والحروف التي فقدت معناها بالألم والوجع المندوب بالتّرديد الماسخ، ستدرك أنّ فضاءهم تعفّن أكثر ممّا تراه بأم عينيك بين الزنازين والعزلة التي يهدّدك بها كبير السجّانين.. سبع ليال وسبعة أيام ولن تحكي لك شهرزاد قصّتك لكنّك ستحكي للغارقين في سباتهم عن دمك الذي يفور وعن شعب أٌعد له التنّور والقدور.. لم تكن يوما من أصحاب الولائم ولا الغنائم فكيف حاربت وحدك جيشا مهزوما مهموما..
سينقضي الأسبوع الأول يا حسن، ربّما تعوّدنا على النسيان، وربّما سكرنا وحبّرنا صفحاتنا بالهذيان، ستنقضي الأسابيع.. نحن من يعدّها سكاكين الزمن تجرحنا وتنحرنا والموت تحنّط فينا كالصخر فما عاد يخيفنا أو يرهبنا، وعليك أن تتعلّم كيف تحي في زمانك وفضاءك، وان تحارب عالمهم ولغتهم: آريــا، الشمبري، الزيارة، ألكرفي، الكونفة، الشّيبة، القفة، الممشى، الباكيا، اوتوروت، الكبران، حارس الليل... هم لا يحرسون الليل ولكنّهم يغتصبون النّور في اللّيـل.. عالمهم ضيّق يا حبيبي وعالمك أوسع فانهض لتحرق أوراقهم التي يبست، واكتب حروفك بين شوارع الرديف وأزقّتها وأنهجها الضيقة..
ولكم ركضت طويلا يا حسن، لم تهرب سوى من عينيك، ومن صورة ترجرج الصّخر من تحت قدميك.. وتجرّح اللّحم في أعيادهم الوثنيّة.. ربّك ربّك يقتفي أثرك في الرّمــل والملح ليكتب اسمك بين أسماء الأنبياء والأشقياء.. يا شقيّ الرّوح شقيّ التّراب.. من علّمك أن تكون شقيق التراب والجبال.. من علّمك أن تصغي للريح بلا مسار.. كيف المسار يا حبيبي.. كيف..
تحنّ إليك حبات التراب يا حسن.. عيون الأطفال.. غمزات الصبايا.. دمعات العجائز والشيوخ.. تحنّ إليك الجبال والسهول والأودية التي سكنتها هاربا من بطش الشيطان وزحف الجراد الأزرق، والنمل يسير خلفك ليمحو آثار قدميك.. حسن.. يا حسن حتى النمل يعشقك ويعشقني وقد كفر بسنابك خيل الأنبياء من قبل.. حروفي تندبك وأسمائي تكتبك أضعاف الأبجدية المنسية من معاجمهم..
المشهد لم يكتمل بعد، والشوق وجع النهار كابوس الليل، الشوق للرجال محنة الرجال.. أنت تشبهنا لكنّ طيفك يمنحنا غربتنا، وغيابك المضني ينهكنا عن مواصلة المسيرة، وعليك أن تضحك منهم ومنّا.. كلنا نربض في الحضيرة، ونقتات من بقايا الزّبل ونفترش الحصيرة.. أنت لا تعرف الدّمع.. لا طعمه.. لا لونه.. لكنّه ينزل بلا مواعيد آو أمنيات مجنونة..
كطفل يعدو على الشاطئ ثم يسقط لكنّه ينهض مرّة أخرى.. يتعب وهو يلعب.. يضحك ثمّ يغضب.. يركض ليهرب.. يجثو على ركبتيه ليرسم على الرمـل خطوطا مائلة ومتعرّجة.. رسم طائرة ثمّ بعثر الرمل ليرسم غولا له أنياب كبيرة ووجه بشع.. خاف ممّا رسمت يداه، فهرب نحو حضن أمّه.. ودسّ رأسه بين ذراعيها وأغمض عينيه... وحاول أن يطرد الصورة من ذهنه..
حسن.. يـــــــا حسن.. الرديف تشتاق خطوك.. سيرك.. ركضك.. وبسماتك نشتاق ونحلم.. الخوف يصنع الحياة في وطني، والكل يبحث عن الحقيقة ويدّعيها.. الرعب يملأ الطرقات والأزقة والنفوس والنوم أمنية الخائفين من المجهول.. وحدك تعرف مصيرك مذ كنت غضّا طريّا.. ولنا موعد قريب معا ومعهم.. كلّما نزفت جراحنا عرفنا أنّ الطريق في نهايته وأننا على تخوم الفرح الأزلي الأبدي.....
عبيد خليفي
سجين الحوض ألمنجمي

نشر في صحيفة الطريق الجديــد في 6مـارس 2010

الأحد، 4 أبريل 2010

من أجلهم كنت سبقا وسقفا
إلى أب يشتدّ علينا فنلين، ثمّ يزداد شدّة ويلين
وإلى أم تبتسم قليلا وتبكي كثيرا، وما بين البسمة والدمعة ينشطر الفؤاد
إلى إخوة ستّة وأخوات ستة أوتاد خيمة صمدت كثيرا في وجه الرياح
إلى أخي محمد سيّــدا عليّ وعلى من حوالـــيّ
وإلى أختي زعــرة تقاسم أيوب حمله وصبره
إلى سيّدة صنعتهــا من قسوة الصمت...وانتظرتهـا كثيرا كثيرا فلـــم تــــــــــأت..