الأحد، 19 أبريل 2015

عبيد خليفي: عمليّة متحف باردو الإرهابيّة: الأبعاد والدّلالات

 عمليّة متحف باردو الإرهابيّة: الأبعاد والدّلالات




22 قتيل و50 جريح هي الحصيلة الأوليّة للعمليّة الإرهابيّة التي طالت متحف باردو الأثري في تونس عشية 18 مارس 2013، وشارك في العمليّة 5 أفراد: إثنان في الهجوم وثلاثة في الإسناد، والعمليّة على بساطتها في التنفيذ تبدو عمليّة نوعيّة ومعقّدة في التخطيط والتأطير والإسناد، وهي تحوّل كبير في مسار خارطة الإرهاب في تونس، وتلخّصت العملية في دخول المهاجمين المتحف الأثري بباردو الملاصق لمقر مجلس نواب الشعب خلف وفود سياحيّة تجاوز عددها 200 سائح، وبعد قتل عدد 9 من السياح وعون الأمن وموظفة المتحف، دخل المهاجمان للمتحف ليحتجزا عددا من السياح، وأكاد أشكّك في إمكانية التخطيط لحجز رهائن بقدر ما سعى المهاجمون لقتل أكبر عدد ممكن من السيّاح والحصول على الشهادة في عملية انتحارية، وهذا ما يفسّر سرعة إنتهاء العملية الإرهابية التي دامت أربع ساعات من منتصف النهار حتى الرابعة ظهرا.
دلالات الهجوم الإرهابي:
إنّ عمليّة متحف باردو الأثري هي تحوّل آخر في العمليات الإرهابية في تونس، وكل تلك العمليات قامت على عنصر المباغتة والتنوّع بحيث تعجز القوات الأمنية والإستخباراتية عن قراءة إحتمالات الهجمات: إغتيالات سياسيّة، إغتيالات لرجال أمن، إغتيالات لجنود، هجوم على ثكنات ومراكز أمنية، هجوم على دوريات... وهذا التنوّع في الهجمات يُصعّب من عملية الرصد والمتابعة بالإستناد على خرق أفق الإنتظار للعمل الإستخباراتي، ونعتقد أن عمليّة متحف باردو تحمل عديد الدلالات:
أولا: عملية متحف باردو الإرهابيّة هي عمليّة نوعيّة معقّدة، وقد ذهب بعض المحلّلين إلى أنها تأتي ردّا على قتل القيادي أحمد الرويسي في ليبيا قبل ثلاثة أيام، واليقين عندي أن ثلاثة أيام غير كافية لإنجاز هذا العمل الإرهابي، كما نستبعد أن تكون العملية معزولة تعبّر عن يأس طال الجماعة الإرهابية نتيجة تكبّدهم لخسائر في الإيقافات المتتالية، هذه العملية هي عمليّة معقّدة تمّ التحضير لها بعناية إستخباراتيّة تقوم على الرصد والتحرّي والتتبع لحراسة المتحف ومداخله، والعلم المسبّق بقدوم الوفود السياحيّة للمتحف، وأن يكون عدد المهاجمين ثلاثة فبالتأكيد ستكون عناصر الإسناد والتهيئة أكثر من هذا العدد.
ثانيا: رغم الضربات الأمنية الإستباقيّة والمجهود الإستخباري نجحت الحركة الإرهابيّة في ضرب العمق الآمن في تونس، فمتحف باردو ملاصق لأهم موقع سيادي في تونس وهو مجلس النواب، ويفترض أن يكون هذا الموقع الأكثر تحصينا حيث تجتمع النخبة السياسيّة التي تسيّر البلاد، فاختراق حصانة الموقع ليس تقصيرا من الجهات الأمنية، ولكنّ الإستشراف الأمني يستبعد مثل هذا الموقع من حسابات الجماعة الإرهابية، حتى أن مهاجمة منزل وزير الداخلية ليلة 27 ماي 2014 لم يكن ليحصل لو لم يكن منزله في القصرين على تخوم جبل الشعانبي، لذلك كانت هذه العملية الأكثر صدمة للرأي العام.
ثالثا: إنّ إرهاب المدن أشدّ خطرا من إرهاب الجبل، ففي الجبل هناك مواجهة مباشرة بين الجيش والإرهاب، ولكن المواجهة في المدن تصبح أكثر تعقيدا في كشف الخلايا النائمة، ويأتي إرهاب المدن لتخفيف الوطأة على الإرهابيين في الجبل حين بدأت قوات الجيش في إختراق جبل الشعانبي وتمشيطه بسرعة قياسيّة من جهة، ولجذب الجهود الأمنية من الأطراف الشرقية في الجنوب حيث مخازن السلاح من جهة أخرى، وأعتقد أن هذه العمليّة تمّ تدبيرها في المدن في قطيعة تنظيميّة أو دعم من طرف جماعة الجبل، وبالتالي يمكن القول بأنّ الإرهاب وتنظيماته قد عشّش في المدن واستوطنت الخلايا في الخفايا.
رابعا: بعد إستهداف الأفراد (سياسيون وأمنيون) يأتي إستهداف المؤسسات (ثكنات ومراكز امنية)، وفي واقعة متحف باردو كانت الدّولة هي المستهدف (قطاع السياحة)، وذلك عبر ضرب الإقتصاد الوطني الذي يستند على السياحة كأهم مورد للدولة، إنّ ضرب الإقتصاد يعني إضعاف موارد الدولة لتصبح عاجزة عن تنفيذ مشاريع التنمية، ومع إزدياد الفقر تتحرّك الإحتجاجات الإجتماعيّة فتحدث المواجهات التي تكون مدخلا للإنفلات الأمني، فتعمّ الفوضى التي هي المجال الطبيعي لخروج الأحياء عن السيطرة والرقابة الأمنية، فتجد الخلايا النائمة متنفّسا في الحركة والفعل. 
خامسا: عمليّة متحف باردو ليست عمليّة معزولة عن سياقها الإقليمي إمتدادا من سوريا حتى ليبيا ونيجيريا، هو الإرهاب الذي عرفه العالم خلال عشريّتين لينحصر بعد ذلك في المنطقة العربيّة وتستفيد منه ثلاثة قوى إقليميّة: إسرائيل، إيران وتركيا، والمستفيد الأكبر من ذلك هو أمريكا في تجارة السلاح والنفط، ولن تكون تونس حالة مفردة لتعيش إنتقالا ديمقراطيّا سلسا يعطي للتغيير السياسي مغزاه في الخروج من مرحلة الديكتاتورية نحو الديمقراطية، وتونس وحدها لن تستطيع مواجهة الإرهاب دون تنسيق إقليمي ونراه مفقودا حتى الآن
مواجهة الإرهاب: الرؤيا والقصور
إن الأجهزة الأمنية والإستخباراتيّة في تونس تجهل خارطة الجماعات الإرهابيّة في حضورها ومخزونها البشري ومصادر تمويلها، فبعد هروب القيادات التاريخية لتنظيم أنصار الشريعة(أبو عياض) تلاشى الأتباع في ما يسمّى بالخلايا النائمة، يضاف إلى ذلك جهلنا بتنظيم كتيبة عقبة بن نافع من حيث التمركز والتحرّك وإن كان له خلايا في تونس في المدن والأحياء أم وجودها منحصر في جبال الشعانبي، فالأرقام التي نعرفها هي التي قدّمها وزير الداخلية السابق لطفي بن جدّو: إيقاف 1343 مشتبه بهم، قتل 23 في مواجهات أمنية، وإيقاف 294 مشتبه في عمليات التسفير نحو ليبيا وسوريا، ومنع أكثر من 8000 مسافر، يضاف إليهم إيقاف قرابة 400 مشتبه بهم في عهد وزير الداخلية الجديد. 
إنّ هذه الأرقام تثبت أنّ الإرهاب قد تجذّر في تونس وأوجد لنفسه مجالا جغرافيا للكمون والتحرّك، وفي إعتقادي أن إرهاب الجبل أقلّ خطورة من أرهاب المدن، ويضاف إلى هذا الرقم عدد "المجاهدين" في سوريا وليبيا والذي يتراوح عددهم بين 3500 و4000، وتشير بعض التقارير إلى أنّ عددا كبيرا من التونسيين أكملوا دورات تدريبيّة في معسكرات درنة والعجيلات في ليبيا وعادوا لتونس دون أن يلتحقوا بالقتال في سوريا، ولا أحد يستطيع أن يتكهّن بعدد الذين يتبنّون الفكر "الجهادي" في تونس، لكنّ التقديرات تضع رقما مفزعا في حدود 20 ألف جهادي بالسلوك أو الإعتقاد.
ويرتبط الإرهاب في تونس بمفهوم الحاضنة الشعبيّة، بل إنّ عددا من العمليات الإرهابية حدثت على تخوم المدن دون أن يتمّ القبض على الفاعلين (خاصة عملية منزل وزير الداخلية، وعملية بولعابة)، لقد تشكّت الحاضنة الشعبيّة في الثلاث سنوات الأولى التي أعقبت الثورة عبر قناتين: الخيمات الدعويّة والعمل الخيري، ولقد تمكنت التنظيمات الإرهابيّة وخاصة تنظيم "أنصار الشريعة" من تقديم المساعدة المادية لعدد كبير من العائلات التي تقطن في الحزام الدائري للجبال والمناطق الحدوديّة في غياب تام لدور الدولة في تلك المناطق، كما قامت هذه الجماعات بإستقطاب شباب ثائر لم تحقّق له الثورة أحلامه وطموحاته، هذا الشباب الذي أنتجه نظام تعليميّ فاسد ونظام تسلّطي جامد ظلّ يعاني فراغا روحيّا وعقائديّا ونفسيّا، وقد وظّفت الحركات السلفيّة مخزونها العقائدي القائم على الترهيب والترغيب ضمن مرجعية دينيّة لإستقطاب هذا الشباب وتوجيهه نحو مفاهيم الشهادة والتضحية والإيمان والعمل، وهذا هو المخزون البشري الذي يجد في الحاضنة الشعبية سندا ودعما. 
الإرهاب والتهريب متلازمان، فتونس ليست أرضا للسلاح منذ الإستقلال، وقد أدركت الحركة السلفيّة ذلك مبكّرا، فاستغلّت الإنفلات الأمني بعد الثورة مع إنفجار الوضع اللّيبي حيث صار السلاح في المتناول، وكان لأنصار الشريعة علاقة وطيدة بعناصر "الجماعة الليبيّة المقاتلة" التي غادرت السجون، وعبر العمل الخيري في مخيّمات اللاّجئين على الحدود التونسيّة الليبيّة كانت جماعة أنصار الشريعة قد ربطت علاقة متينة مع شبكات التهريب، و"المهرّب لا دين له"، وقامت شبكات التهريب بتسفير الشباب للتدريب في ليبيا (مدة التدريب 21 يوما) ثم ترحيلهم نحو سوريا، وفي نفس الوقت دخلت كميات كبيرة من الأسلحة لتونس عبر هذه الشبكات ليتولّى تنظيم أنصار الشريعة تخزينه في مرحلة أولى في الأطراف الحدودية، وفي مرحلة ثانية تمّ نقل بعضه نحو المدن وجبل الشعانبي، وإذا كانت الضربات الأمنية قد حقّقت بعض النجاح في الكشف عن بعضه (خاصة مخازن بنقردان ومدنين في الجنوب الشرقي)، فإنّ التخمين بأن كميات أخرى ربما تكون أكبر ولا تزال طيّ الخفاء. 
اللّحمة الوطنية، والمصادقة على قانون مكافحة الإرهاب: جملتان سحريّتان تتكرّران بعد كل عملية إرهابيّة، وقد تشفع بالخروج في مسيرة وطنيّة للتنديد بالإرهاب، ونعتقد أن ردّة الفعل هذه لن تستطيع مجابهة الإرهاب، فالإرهاب يشتغل وفق إستراتيجيّة هيكليّة وتنظيميّة لها رؤيا إستشرافيّة ترجمتها كتاباتاهم العقائديّة للمنظرين الكبار من سيد قطب مرورا بعبد الله عزّام وحتّى أبو بكر ناجي صاحب كتاب "إدارة التوحّش"، ومقاومة الإرهاب تحتاج إلى إستراتيجيّة بنيويّة تضعها الدولة وتسخّر لها كل الكفاءات العلميّة بالتعاون مع المحيط الإقليمي، فتونس أعجز من أن تقاوم الإرهاب لوحدها بمقدّراتها الذّاتية المحدودة.
إنّ مفهوم اللحمة الوطنية هو مفهوم معياري عاطفي لا يمكن أن يقاوم ظاهرة ماديّة ملموسة، كما أنّ مجرّد المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب لوحده لن يوقف الإرهاب وتداعياته، فالإرهاب ثقافة وممارسة، تحتاج معالجتها لتصوّر شمولي حول التنمية الإقتصاديّة والإجتماعيّة ومراجعة المنظومة التعليميّة، وترسيخ مفهوم المواطنة، والعناية النفسيّة والماديّة بالشباب، كما أنّ مواجهة الإرهاب تحتاج إلى ثورة فكرية ثقافيّة من أجل تجديد مرجعية دينيّة تمثّل الخلفيّة الحضاريّة للمجتمع التونسي المسلم. 

عبيد خليفي: محمد الطالبي، التجديد الديني بين الروافض والدّوافع

محمد الطالبي: التجديد الديني بين الروافض والدّوافع



في الثالثة والتسعين من العمر لا يزال المفكّر محمّد الطالبي يفكّر وينتج معرفة بعد حصيلة قوامها 28 كتابا وأكثر من 300 دراسة علميّة أكاديميّة، لكنّ الفارق اليوم أنّ محمد الطالبي خرج من أسوار الجامعة ومراكز البحوث والمنتديات الفكريّة ليصدم الرأي العام بآراء وأفكار بلبلت ما يُعتقد أنّها من "ثوابت المسلم"، وقد كان محمّد الطالبي قد مهّد لهذه الصدمة بتأسيس "الجمعيّة الدوليّة للمسلم القرآني"(21 مارس 2013) في ظرف تاريخي تميّز بعدّة خصائص أهمّها إندلاع ما يسمى بثورة الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي لسدّة الحكم، وإنتشار الإسلام الجهادي، وبداية تشكّل تنظيمات الدولة الإسلامية في العراق والشام، في لحظة تاريخيّة إشتدّ فيها الصراع المذهبي والفتنة الطائفيّة ليتصدّر شيوخ الدّين والفتوى المشهد السياسي والساحة الإعلاميّة.
روافض التجديد والإجتهاد
كان لتأسيس الجمعية الدوليّة المسلمين القرآنيين نقاش محدود في مستوى النخب السياسيّة والنخب العلميّة الأكاديميّة ليبلغ درجة الفتنة التي أثارها "منشور الجمعية حول حكم الخمر في القرآن"، ولا يبدو هذا المنشور شذوذا عن أهداف الجمعية: فالمسلم القرآني هو المسلم الذي يُحدث قطيعة مع الشريعة الإسلامية التي وضعها الفقهاء وعلماء الدين وأن يعود إلى النص القرآني تفهّما وتعقّلا وتفقّها دون حاجة للفقيه الوسيط الذي يتكلّم بإسم الله ليحلّل ويحرّم حسب تأويله وفهمه (محمد الطالبي يذكّر دوما أنّ الشافعي بدأ وضع أصول الشريعة بعد قرنين من الوحي)، والمسلم القرآني هو الذي يتعامل مع النص القرآني بكل وثوقيّة بإعتباره وحيا مطلقا من عند الله حرفا ومعنى (وهنا الطالبي يختلف مع عبد المجيد الشرفي الذي يرى دور النبي في صياغة القرآن لفظا لمعنى تخمّر في الذات النبويّة)، أما السنّة بكل أحاديثها و"صحاحها" فهي محلّ شكّ ونظر وفرز وليست محل نفي مطلق كما يشاع والقاعدة هي: كل ملفوظ نبوي في مدونة الحديث يتعارض مع النص القرآني هو نصّ موضوع لا قيمة له مهما كان محتواه من حيث المعاملات أو الأحكام.
إنّ الهجمة التي تعرّض الدكتور محمّد الطالبي في إجتهاده القرآني تصدر عن ثلاثة جهات:
المؤسّسة الدينيّة: هي المؤسّسة التي تحتكر الحديث بإسم الله والقرآن، تُمارس وصاية على النص قراءة وتأويلا، وتفرض قداسة على رجال النص من كتبته إلى قرّاءه إلى الصحابة فالتابعين وتابعي التابعين وصولا لتقديس شيوخ التفسير والتأويل من رجال الدّين، لذلك إنبرى شيوخ الزيتونة ومشيخة الأزهر والحوزة الشيعيّة ومؤسسة الإفتاء في الديار السنيّة إلى الهجوم على محمد الطالبي بدرجات متفاوتة بين التّسفيه والرمي بالجنون والهلوسة إلى التفسيق والتكفير. 
الإسلام السياسي: أغلب طيف الإسلام السياسي يمارس نوعا من المهادنة مع المؤسسة الدينيّة وعدم معاداتها يقينا منهم بمنزلتها الإعتباريّة والإعتقادية، لكن الإسلام السياسي يجد نفسه في عداوة مباشرة مع المفكّرين الذين يتناولون الدين وفق مقاربة علميّة، لأن المقاربة العلميّة تدحض التوظيف الدّيني الذي تمارسه حركات الإسلام السياسي وهذا ما يبرّر هجوم الأدوات الإعلامية والسياسية لحركة النهضة الإسلامية على أفكار محمّد الطالبي، فأحد رموز الإسلام السياسي في تونس عبد الفتّاح مورو يدعو مباشرة للتحجير على محمد الطالبي، هو تحجير على العقل ليبقى له المجال فسيحا لبثّ خرافات مجد الإسلام وعظمته التمجيديّة من خلال منابر المساجد.
أشباه الباحثين: وعليّ أن أصفهم بالباحثين العاجزين عن مجاراة النسق العلمي الإجتهادي لمدرسة "الإسلاميات التطبيقيّة"(التسمية لمحمد أركون) التي من رموزها محمد أركون وعبد المجيد الشرفي ومحمد الطالبي..، هؤلاء أشباه الباحثين ظلّوا أوفياء للمدرسة الكلاسيكيّة في دراسة الإسلام ضمن مقاربة وصفيّة تمجيديّة يسيطر عليها المخيال والمحاكاة، ومثلهم لن يستطيع أن يلج عالم التجديد الدّيني أو أن يقدّم إضافة للعقل الإسلامي الذي يعاني تشوّهات الجمود والعجز.
هم ثلاثة روافض للتجديد والإجتهاد العقلي، القاسم المشترك بينهم هو العجز والوصاية على الذّات الإلهية، وإحتكار المعرفة بكتاب الله في القراءة تفسيرا وتأويلا عبر وسائط علميّة مرّ عليها أكثر من عشرة قرون، ولعلّ المناظرات التي جرت بين محمد الطالبي وبعض رجال الدّين كانت خير دليل على جهل معرفي كبير لدى المؤسسة الدينيّة الرّسميّة والإسلام السياسي وهو ما جرّهم للتشنّج أزال هيبة عمائمهم.
روافد التجديد والإجتهاد
لن ندخل في الخلاف التفسيري الفقهي الألسني لحكم شرب الخمر أو تعاطي البغاء في تحليله أو تحريمه، ولكنّنا ننظر للمسألة من زاوية فكرية سياسية تتعلّق بدوافع إثارة هذه المسألة وتفسير عنف ردّة الفعل تجاه طرحها:
أولا: إنّ إثارة هذه المسألة تصدر من قامة علميّة من طينة المفكّر محمّد الطالبي، ومهما إختلفنا مع تصوّراته فإنّ الرجل على دراية كبيرة بالنص والتفسير والتأويل علما وإجتهادا، ومع ذلك فهو لا يُنصّب نفسه مفتيا أو رجل دين، بل هو رجل علم و"دينه الحريّة"، يعتقد أن القرآن ربّاني إلاهي ناطق بذاته، وأنّ الشريعة بشريّة مؤسساتيّة تشرّع بإسم الرب، فالثابت هو القرآن حقيقة مطلقة، والشريعة هي نزعات ذاتية وجماعية نسبيّة تاريخيّة.
ثانيا: يستند التجديد والإجتهاد إلى مفهوم العقل والتعقّل ضمن مقاربة تفهّميّة للنص في تنزيله قبل تأويله، إنّ هذا العقل هو الذي حصّل من علوم الإنسان في مجال الانتربولوجيا والسوسيولوجيا واللسانيات والأركيولوجيا.. ما يجعله قادرا على إعادة إنتاج المعنى والخروج من الجمود المعرفي والتأويل المسلّم به، ونعتقد أن تأخير العقل في مصادر التشريع هو الذي جمّد القرآن وأسقط عن تاريخيّته.
ثالثا: بعيدا عن الضجيج الإعلامي وحديث عامة النّاس في الجدل حول حرمة الخمرة من تحليلها أو البغاء ودناسته، كان لمحمد الطالبي شرف نقل الجدل العلمي من سياقاته المعرفية المغلقة لدى نخبة فكرية علميّة معزولة عن العامة/الناس/المواطنين إلى سياق أوسع لكل من ينتمون للثقافة الإسلامية، ومثل هذا التحوّل يفترض بالضرورة صدمة للضمير الإسلامي الواقع تحت ضغط القداسة والتحريم والتجريم، فيحضر التفجير حين يغيب التفكير.
لست من أنصار أبي حامد الغزالي الذي كتب "إلجام العوام عن علم الكلام"، فمتى ألجمنا العامة/النّاس/المواطنين عن الخوض في المعتقدات والعقائد سيظلّ العقل سجين الجمود رهين نخبة معزولة عن المجتمع، ويبدو لي أن كلمات محمّد الطالبي حرّكت تلك البركة الراكدة المتعفّنة التي لا تنتج سوى الخرافة والتكفير والتفجير، بل إنّ ما يذهب إليه محمّد الطالبي لا يقاس في جسارته وفرادته وجدّته بالقضايا الفكرية والعقائدية التي طرحها علماء الكلام ومفكّرو القرنين الثالث والرابع للهجرة (عصر الأنسنة كما يسميه محمد أركون)، ومع ذلك فإنّ عنف ردّة الفعل التي لقيتها آراء الطالبي شرقا وغربا تعبّر عن حجم التحجّر الذي أمسى العقل الإسلامي يعيشه في هذه اللحظة التاريخيّة الفارقة. 
إنّ العقل اليوم مطالب بأن يخوض حروبه ضد الجهل والمقدّس الخرافي للفقهاء ورجال الدين والفتوى، وأن نجد تلك القطيعة المعرفيّة مع موروث جامد يجثم على رقابنا تحت رقابة من نصّبوا أنفسهم رجال الدين سواء تعلّق الأمر بالمؤسسة الدينيّة الرسميّة أو بالإسلام السياسي الذي يبتذل المعطى الدّيني ليكون: زادا للمتساهل بحكم براغماتيته، وزادا للمتشدّد بحكم أوهامه في إعادة الخلافة المقدّسة بالحديد والنّار.

عبيد خليفي: حادثة تشارلي هبدو، الوقيعة والذّريعة


حادثة تشارلي هبدو: الوقيعة والذّريعة




عندما تهدأ الإنفعالات يبدأ التفكير في الإحتمالات..
حبس العالم أنفاسه على وقع مجزرة آلصحيفة الفرنسيّة "تشارلي هبدو" يوم الاربعاء 7 جانفي 2015، والتي راح ضحيّتها 12 قتيلا، وبعد المطاردة الأمنية في ضواحي باريس تمكّن المتهمون الثلاثة في العمليّة من الإستيلاء على مركّب تجاري يهودي ليحتجزوا عددا من الرهائن، وانتهت العمليّة بالقضاء على المحتجزين وسقوط خمسة قتلى من الرهائن، هو إعتداء عاديّ في السياق العام لزمن المواجهة مع القتل والإرهاب، وبالقياس لكمّ الموت والقتل في المناطق الساخنة شرقا وغربا، ولكنّ الحدث يبدو إستثنائيّا وهو يخترق الفضاء الأوروبي الغربي الذي يفترض أنّه إختار أن يخوض معاركه ومصالحه في المجال الجغرافي الآخر: الشرق الأوسط وإفريقيا.
خرجت فرنسا في مسيرة مليونيّة سمّتها "مسيرة الجمهورية لمناهضة الإرهاب"، حضرها أكثر من 50 زعيم دولة، فهرول الأوروبيون لهذه المسيرة يقينا منهم بتلازم المسار في مواجهة "الإرهاب الإسلامي" من جهة، وتلازم المصير الإتحادي لدول أوروبّا، وهو أيضا من باب التضامن الأوروبي، كما هرول القادة العرب خائفين مذعورين من باب التكفير عن الخطيئة وإعلان البراءة من عنف إرهابيّ تأصّلت تهمته تجاه العرب والمسلمين، ولعلّ الحضور العربي كان أشبه بالإعتذار عمّا إقترفته أيادي الإبن الضال، هي عقدة التبعيّة والشعور بالذنب الأبدي.
وحضرت إسرائيل وهي أكثر المستفيدين من هذه المجزرة لتوجّه ضغطا سياسيّا تجاه الجميع: تجاه العرب بوصفهم إرهابيين، وتجاه الغرب الأوروبّي الذي مازال يحفظ بعضا من ماء الوجه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وقد تسرّبت بعض المعلومات التي تؤكّد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي فرض حضوره على الرئيس الفرنسي هولاند في هذه المسيرة، فما كان من الرئيس الفرنسي إلاّ أن وجّه الدّعوة بشكل عاجل للرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لحضور المسيرة لرفع الحرج الذي قد يتسبّب فيه حضور نتنياهو، وذهب نتنياهو لفرنسا داعيا يهود أوروبّا للهجرة نحو إسرائيل القادرة وحدها على تأمين حياتهم بما في ذلك من إهانة لفرنسا ولقدراتها الأمنيّة، كما مارس ضغطا على عائلات الضحايا اليهود ليدفن القتلى في القدس وتلعب بذلك إسرائيل دور المظلوميّة والضحيّة. 
هل كانت المذبحة ثمنا لتلك السخرية؟ كانت صحيفة "شارلي هبدو" الفرنسيّة قد تخصّصت في الرسوم الكاريكاتوريّة الموجّهة لكل المقدّسات السياسيّة منها وخاصّة الدّينيّة، ولكنّها راحت تتخصّص أكثر في هدم صورة النّبيّ المقدّس، ولئن كان الذّوق الغربي الأوروبي قد إستساغ الصّورة الهزليّة لأنبياء بني إسرائيل خاصّة موسى وعيسى فإنّ الإقتراب من نبيّ المسلمين محمد كان أشبه باللّعب بالنّار في ظل ظرف دوليّ إشتدّ فيه الصّراع بين المسلمين والغرب، وكان ذروته أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من حروب على الإرهاب وغزو لأفغانستان والعراق.. بل إنّ مجريات الأحداث خلال العشريّة الفارطة تشير إلى أنّ هذا الصراع سيتواصل عهودا وأن بتلوينات مختلفة يخفي صراع المصالح نفطا وسلاحا.
كانت الصحيفة الفرنسيّة "شارلي هبدو" قد تعرّضت لعدة تهديدات سنة 2006 على خلفيّة نشرها لصور كاريكاتوريّة ساخرة من نبيّ الإسلام محمد، لكنّ تلك التهديدات لم تتحقّق إلا بعد خمسة سنوات في حادثة حرق مقرّ الصحيفة في نوفمبر 2011 وهو ما عدّته الحكومة الفرنسيّة فعلا عدائيّا مدبّرا، وعادت الصحيفة سنة 2012 لتنشر دفعة أخرى من تلك الصور الساخرة من النبي محمد، في ظل تفجّر الأوضاع في المنطقة العربيّة وصعود الإسلام السياسي للحكم في تونس وليبيا ومصر من جهة، وبداية تشكّل الإسلام الجهادي تجميعا لإرث تنظيم القاعدة في المنطقة العربيّة وتشابك خلاياه مع أنصاره في أوروبا، وللتذكير فإنّ الصحيفة الفرنسيّة لم تبتدع هذه الرسوم الساخرة، ولكنّها سارت خلف مبادرة الصحيفة الدانمركية "يولاندس بوسطن" 
وكانت صحيفة "يولاندس بوسطن" الدانمركية، أول من أثارت أزمة الرسوم المسيئة للنبي سنة 2005، حيث خرج ملايين المتظاهرين في شتى أنحاء العالم الإسلامي منددين بالصحيفة، قبل أن تعلن صحيفة "شارلي هبدو" تضامنها مع نظيرتها الدانمركية وأعادت نشر الرسوم المسيئة بالإضافة إلى رسوم كاريكاتيرية أخري استفزت مشاعر المسلمين، رغم أنّ الصحيفة الدانمركيّة كانت قد أعلنت أنها لن تنشر هذه الصور في المستقبل، ولا يجب أن ننسى أن أهم مرصد أوروبي للميز العنصري قد قام بمتابعة الصحيفة الدنماركيّة لمدّة ثلاثة أشهر وخلص إلى أن هذه الصحيفة لم تنشر الصور الساخرة من النّبي محمد من باب حريّة التعبير والإعتقاد وإنّما من باب نشر الكره والميز العقائدي العنصري، والأمر نفسه يقاس على الصحيفة الفرنسيّة، ولذلك يجب أن ننظر لهذه المسألة من زاوية سياسيّة صرفة مرتبطة بنظرة الآخر الغربي للإنسان العربي المسلم: عمامة وسلاح وجارية.
أعتقد أن مجزرة شارلي هبدو تُخفي صراعا حضاريّا حقيقيا نحاول طمسه تحت عنوان الحوار بين الحضارات ومقولات التّسامح والسلام العالمي، هو صراع دينيّ تخترقه تناقضات المصالح الإقتصاديّة لمفهوم السيطرة والتبعيّة والنفوذ الغربي على المنطقة العربيّة بما تحتويه من مقدّرات نفطيّة وسوقا مفتوحة لمنتجات السلاح الغربي، ومن ثمّ ستكون المنطقة العربيّة منطقة توتّر لأجيال لاحقة فتكون مخبرا حقيقيّا لحروب الوكالة بين الأمم، ولا ننسى أنّ المنطقة العربيّة تقع على تخوم ثلاثة قوميات فاعلة وهي الفرس والأتراك واليهود (كقوميّة دينيّة)، والبعيد الكامن في الصراع كحلقة أوسع جغرافيّا هي: أوروبّا وأمريكا وروسيا.
إنّ ظاهرة الرسوم الساخرة من النّبي محمد هي قادح لتحريك مسار الحروب والنّزاعات الإقتصاديّة، فأن يكون الإعتداء في فرنسا بالذّات فلا تفسير سوى إخراج هذه الدولة من سياقها الوطني الدّاخلي نحو حرب توسّعيّة لتحريك تجارة السلاح وتأمين منابع النفط، وبذلك تكون المنطقة العربيّة واقعة تحت ضغط ثالوث: النفط والسلاح وإسرائيل، فالشتات الذي يعيشه العالم العربي يؤسّس لحضور هذا الثالوث، ولئن كانت إسرائيل هي الحافز لتنشيط الترابط العضوي بين النفط والسلاح لفترة ما قبل معاهدات السلام بينها وبين دول الجوار وخاصة المبادرة العربيّة، فإنّ "الإرهابي" هو البديل الفعلي لذلك العدوّ الأزلي بالنسبة للغرب والأنظمة العربيّة التابعة لها.
يختزل الواقع العربي شعورا متضخّما بالخطيئة إزاء ملفّ الإرهاب، فهو لم يتخلّص بعد من عقدة 11 سبتمبر، ذلك الحدث الذي مثّل فارقة في تاريخ الصّدام بين ثقافتين وحضارتين متناقضتين من حيث المصالح والطموحات، كان على العرب أن يعتذروا عن فعل عدائي أنجزه شباب عربيّ بعقيدة إسلاميّة تجاه أمريكا خلّف أكثر من ثلاثة ألآف قتيل، وما كان للغرب أن يعتذر عن حقبة إستعماريّة أو الحروب التي زرعت الموت في الشرق الأوسط ومناطق التوتّر العربيّة، والتدخّل السافر في شؤون البلدان العربيّة، فتلك الأنظمة العربيّة هي التي تسبّبت في ظهور جيل التّكفير والتّفجير عبر منظومة تعليميّة فاشلة، وعبر سياسات تنمويّة أفشل همّشت الإنسان المسلم وقتلت فيه روح المواطنة والديمقراطية والطموح والعمل السياسي..
إنّ الفجيعة التي يعيشها حكّام العرب أو حتّى بعض المثقّفين العرب تجاه كل قطرة دم غربيّة تسيل تحت وقع الضربات الإرهابيّة لا نجد لها مبرّر سوى عقدة الخطيئة والتكفير عن الذّنب والشعور بالدّونيّة، وصار اليقين أنّ العالم العربي والإسلامي هو صانع الإرهاب الأعمى عجزا وخوفا، وهو ما يبرّر إصطفاف هؤلاء الحكّام خلف كل مشروع أو حملة أو غزو لمقاومة الإرهاب، دون تحديد واضح لمفهوم الإرهاب، فالآخر هو الذي يحدّد مفهوم الإرهاب ووسائله وأمكنته وما على النظم العربيّة سوى تحمّل تبعات إستراتيجيا المواجهة التي يخطّط لها العالم الغربي ويتحكّم في مساراتها. 
والطريف في الأمر أنّ الأنظمة العربيّة التي سارعت للتنديد بمجزرة شارلي هبدو هي أكثر الأنظمة محاربة لحريّة التعبير عبر تنفيذ الأحكام الدّينيّة المشوّهة تجاه الصحفيين والمعارضين والكتاب والمثقفين، وكما قال إبن خلدون "المغلوب مُولع أبدا في الإقتداء بالغالب"، ومنطق الغلبة فرض عليهم التّبعيّة دون أن يفرض عليهم الإقتداء والتقليد، هي أنظمة عجزت عن فهم ظاهرة التطرّف الدّيني رغم أنها ساهمت في نشأتها وانتشارها، فقد فشلت الدولة الوطنيّة في الأقطار العربيّة في ترسيخ مقوّمات الحداثة والمواطنة والعدالة الإجتماعيّة فقتلت روح التحرّر لدى أجيال من المثقفين والشباب، ودفعت شقّا كبيرا نحو حمل السلاح لمواجهة الأنظمة الكليانيّة في مرحلة أولى ومواجهة الأنظمة الداعمة لها في مرحلة ثانية، وخاضت هذه الجماعات حروبا بالوكالة في المجال الجغرافي العربي والإسلامي.
إنّ الشعور بالخطيئة ومحاولة التكفير عن ذنب التطرف الدّيني العربي والإسلامي هو الذي يجعل الانظمة العربيّة تخجل حتى من دعم أيّة محاولة للتحرّر في فلسطين والمنطقة العربيّة، وهي مستعدّة ليس للتعاون فقط لمحاربة الإرهاب العالمي ولكن أن تجعل مجالها الجغرافي مسرحا لتلك المعركة، وتصبح المناورات المشتركة بين الأنظمة العربية والحلف الأطلسي بحضور الكيان الإسرائيلي أمرا مبرّرا من أجل مقاومة الإرهاب، وهذه الإستراتيجيا هي التّي ستخلق تنظيم "داعش" أو ما يسمى بالدولة الإسلامية ككائن هلامي يجب محاربته في كل الإتجاهات ولو بصداقة مع عدوّ الأمس.
نجحت إسرائيل في بلبلة المفاهيم السياسيّة الأخلاقية، فمارست نوعا من الإنزياح بمفهومي الضحيّة والقاتل، والمقاومة والإرهاب، فتحوّلت من سرطان مغروس في الجسم العربي يريد أن يفتك به إلى وردة تحاصرها الأشواك تكاد تقتلها، وفي حادثة شارلي هبدو بزخمها الفعلي والإعلامي وظّفت إسرائيل كل إمكانياتها ونفوذها لتستفيد من فعل عدائيّ واقع خارج مجالها الجغرافي والسياسي، فأثبتت قوّتها ونفوذها تجاه فرنسا بحضور المسيرة رغما عن هولاند الذي طلب من نتنياهو عدم الحضور، واستثمرت إسرائيل تلك المذبحة لتلعب دور الضحيّة وتمارس الإبتزاز السياسي تجاه الغرب، ولتبرير كل المجازر التي إرتكبتها إسرائيل تجاه الفلسطينيين أو العرب عموما.
إنّ ضعف الأنظمة العربيّة الناتج عن غياب الديمقراطيّة وفقدان المشروعيّة الشعبيّة هو الذي يمنح إسرائيل كل تلك القوّة في فرض نفوذها على العالم الغربي، وحدها لبنان بديمقراطيّة طائفيّة تمتلك هامشا من المقاومة المسنودة إقليميّا (حزب الله)، وخلال عقود من حروب التحرير في المنطقة العربيّة توّجتها الملحمة الفلسطينيّة إرتسمت للعربي صورة المقاوم الثائر المجاهد يكتسب تعاطفا شعبيّا في كل أصقاع العالم، وتلك الصّورة كانت كابوسا للكيان الإسرائيلي بإعتبارها رديفا لمشروعية حمل السلاح ولو بذريعة دينيّة إسمها الجهاد، لكنّ ميوعة مشهد المواجهة اليوم بكلّ الإنحرافات التي عرفتها الحركات الإسلاميّة المسلّحة هي التي تعطي الذّريعة للآخر كي يرمي المقاومة في سلّة الإرهاب.
لم تكن فرنسا بمنأى عن تهديد الجماعات الجهاديّة خلال العشريّة الأخيرة، وذلك لتنامي دورها العسكري لكبح جماح الطموح العسكريّ الأمريكيّ والبريطاني، ولا تكاد فرنسا تخرج من صورتها التاريخيّة باعتبارها دولة عظمى لها من القوّة العسكريّة ما يحفظ لها وزنها الدولي، شريعتها في ذلك التدخّل العسكري للحفاظ على مصالحها وخاصة إذا تعلّق الأمر بمناطق نفوذها التاريخي في إفريقيا، مع أنّ تدخّلاتها العسكرية دائما ما تجد معارضة من الرأي العام الفرنسي، وتعدّ مجزرة شارلي هبدو الذّريعة السياسية لتدخّل عسكري فرنسي في مجالات النفوذ التاريخي، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي هولاند ثلاثة أيام بعد عملية شارلي هبدو من ضرورة توجيه ضربات عسكريّة وقائيّة لأماكن تمركز الجماعات الإرهابيّة، وأظنّه يلمّح مباشرة لليبيا.
الحوار المتمدن-العدد: 4708 - 2015 / 2 / 2