الاثنين، 27 ديسمبر 2010

إلى حسن بنعبد الله في سجنه... تحيّة جُحُود ونكران


إلى حسن بنعبد الله في سجنه

تحيّة جُحُود ونكران


وما وفّيناك حقّك لتعلم كم كنّا بؤساء ونحن ننظُرُ غيبتك عنّا وسجنك فينا..

تسعة أشهر من سجنك المُوجع، لا شيء يقضّ مضجعك وأنت تنام مُزهرا لثورة تخلّى عنها شعبها وذبحها أعداؤها، الرديف لم تستطع أن تنساك، ترابها، أنهجها، شوارعها، وساحاتها، فتياتها وفتيتها.. لم تكن خطيبا ولا فصيحا، كنت شاهدا وشهيدا على كرة الثّلج وهي تكبر ثمّ تكبر.. كبُرت الذّكريات وغابت معك الأمنيات..

حسن بن عبد الله الوجه الآخر لإنتفاضة الحوض المنجمي، للصّورة ظلّها المجهول، وأنت الظلّ الظليل، أنت الكلام القليل والجُرح العليل.. هو الذي حمل على عاتقه تاريخ 5 جانفي2008 ليكون علامة للبلاد والعباد.. كانوا قلّة من المُعتصمين بدار اتحاد الشغل بالرديف، فصاروا شعبا يجري فيسري رافعا شعار الحياة لكلّ من يدري لا يدري.. غرّة ماي 2008 كان للمعطّلين صوتهم ونفسهم مع حسن بن عبد الله وهو ينشُد خبزا وشغلا..

حسن بن عبد الله أو "هفهف"، يهفّ بين الشوارع خفيفا، يهفّ بين الشّباب رفيقا، يهفُّ وجفنه لا يرفُّ، يعرف أنّ الشهيد يُزفُّ، وأنّ الرجال عند المغانم تعفُّ، لا الصورة تُغريه ولا السّجون تُدميه، لكنّ السّاحات والميادين تعرفُه حين تناديه وتُناجيه.. وبسمته صبرُه، "واثقا من خُطاه"، لا يكمّم الأفواه، يسمعْ، فيعي ليُقنعْ، يعرف كيف العاطلين يجمعْ، يحثّ الثّورة نُهوضا ولا يهجعْ، يسمعْ ثمّ يسمعْ، ولصمتنا قد يدفعْ، وصورته بلا مرايا تلمعْ، وكم لعيُون هذه العجوز الوحيدة أن تدمـــعْ فتشْفع..

حسن بن عبد الله من طينة رجال إندثروا، ومن صلب جبال عُمّـدوا.. يعمل في صمت رهيب، هادئ كظلّه، صادقٌ كخلّه، والخوفُ لا يُذلّه، هو الشّعب يُجلُّهُ، لكنّ تقارير المُخبرين لم تُغفله ثانية واحدة، كتبُوا، وكتبوا، ثمّ كتبوا.. ورأوا أنّ السجن لمثله سلامة لأمن الوطن والمواطنين.. يحيا الوطن.. تحيا المحن.. هو الحلقة المفقودة "لعصابة الوفاق" التي تزعّمها عدنان حاجي ورفاقه، والفاهم بوكدّوس مجرم بامتياز، صُوره، حُروفه، مراسلاته.. هو ملعون بلغة الوطنيّة التي يعرفون مقاساتها وموازينها.. رفيقين في سجن بلا مقاس ولا تماس، سجن الرّجال لا يقتلُ الحواس والأنفاس..

حسن بن عبد الله.. تسعة أشهر من السّجن والجوع قبل الخنوع، تسعة أشهر وصمة عار في جبين البلاد والعباد، تسعة أشهر ونحن نحي بلا حياة، أشباه الأموات، وأنت حيٌّ قبلنا وبعدنا، بيننا وبينهم، فوقنا وتحتنا.. هل كنت تحتاج كلّ هذا السجن لنعرف حجمك وشأنك بيننا؟ جحدناك وأنكرناك، ولكنّنا بكلّ الجحود والنكران أحببناك واجتبيناك وحيّيناك..

لن ننساك.. لن ننساك.. فحريّتك كابوس يُرعبُ الأعداء.. ويثقُل كاهل الأصدقاء..

بقلم:عبيد خليفي

الأحد، 14 نوفمبر 2010

عبيد خليفي: "حـــــيٌّ آخـــــر ممـكــــن" المنتدى الإجتماعي بالمغرب



"حـــــيٌّ آخـــــر ممـكــــن"

المنتدى الإجتماعي لجمعيات الأحياء والمنظّمات القاعديّة

الدار البيضاء 23/24 أكتوبر 2010

إنعقد المنتدى الإجتماعي ألمغاربي بمدينة الدّار البيضاء في المغرب أيام 23/24 أكتوبر 2010 بحضور أكثر من 400 مشاركا من مختلف الجمعيات القاعديّة في مدينة الدار البيضاء وقد حضر المنتدى عدد هام الضيوف من بلجيكيا وفرنسا والجزائر وموريتانيا وتونس، وجاء هذا المنتدى تحت شعار "حيّ آخــر ممكن"، وبدافع أنّ الأهداف الإنمائيّة للتنمية لا تُجيب ولا تستجيب لتطلّعات كل الفئات الإجتماعيّة خاصّة الفئات الأكثر فقرا نظرا لكون الدول تنتهك حقوقهم الإنسانيّة كما أعلنت منظمّة العفو الدولية.

الإفتتاح:

افتتح المنتدى المناضل الحقوقي والسجين السياسي عبد الله الزعزاع بكلمة ترحيبيّة بالضيوف من داخل المغرب ومن خارجه، وعبّر باسم المنتدى عن تضامنه مع سجين الحوض ألمنجمي الحقوقي والصحفي عبيد خليفي بعد حجزه في مطار قرطاج لمدّة طويلة في محاولة لمنعه من السفر لحضور فعاليات المنتدى، كما عبّر باسم المنتدى عن إدانته للسلطات المغربيّة التي منعت المناضل الحقوقي كمال الجندوبي من دخول التراب المغربي لتكريمه خاضعة بذلك للابتزاز التونسي في ملف الصحراء الغربيّة.

ثمّ كانت للدكتور الباحث فؤاد عبد المومني محاضرة قيّمة بعنوان "عرض حول الاختيارات السياسيّة الإقتصاديّة والاجتماعية وتأثيراتها على التنمية"، وقد بسط المحاضر الخيارات السياسيّة الإقتصاديّة اللاّوطنيّة التي انتهجتها أنظمة الحكم المغاربيّة تحت وطأة الإرتجال وضغط الدوائر الخارجيّة سليلة السياسة الإمبرياليّة والنيو- ليبراليّة المتوحّشة، وهو ما انجرّ عنها تهميش فئات إجتماعيّة كبرى وازدياد معدّلات الفقر والبطالة وعجز الحكومات عن إيجاد الحلول لهذه الأزمات المتعدّدة، ومن ثمّ تعدّد التحركات الاجتماعيّة الاحتجاجية في مختلف البلدان المغاربيّة ودول العالم النامي (أكثر من مليار يعيشون في أحياء الصّفيح في حين أن الأهداف الإنمائيّة لا تأخذ بعين الاعتبار سوى مائة مليون من بينهم)، يضاف إلى ذلك أن 70 بالمائة من الأشخاص الذين يعيشون وضعيّة الفقر هم من النّساء..

وقد شهدت المحاضرة الافتتاحية حوارا ثريّا بنّاء بين مختلف المتدخّلين حول توصيف الواقع الاجتماعي كنتيجة منطقيّة لخيارات غير متوازنة وفاشلة، فاقمت من تردّي البنى الإجتماعيّة في المغرب العربي والدول النامية، وطرح المشاركون جملة من الأسئلة الجوهريّة تمحورت حول: كيف للنشطاء الإجتماعيين أن يتصدّوا لمنزلقات العولمة والرأسماليّة المتوحّشة؟ ما هو الدّور الموكول للمنتديات الإجتماعيّة في دول العالم النّامي؟ وكيف يمكن أن تكون علاقة هذه المنتديات بالحكومات والأنظمة؟ ماهي علاقة المنتدى بمنظّمات المجتمع المدني والأهلي؟ هل المنتدى بديل حضاري أم جبهة مواجهة وتصدّي؟ وماهي أشكال هذه المواجهة؟ وماهو دور الجمعيات القاعديّة ولجان الأحياء في هذا المشروع؟...

كل هذه الإشكاليات كانت محور نقاش ثريّ عبّر عن إختلاف في وجهات النظر والرؤى وأن لم تكن متباعدة في أهدافها إيمانا من الجميع بخطورة الوضع العام الذي ترجمته الخيارات الإقتصادية والإجتماعية التابعة، واتّفق المشاركون في المنتدى أنهم جاءوا ليتقاسموا الإطار العام حول واقع الحرّيات والسياسات التنمويّة العموميّة ويتبادلون تجاربهم وأقترح المشاركون أربع نقاط مركزيّة:

· الدّفاع عن الحرّيات الفرديّة والجمعياتيّة، الدفاع عن حريّة الرأي والإختلاف.

· تعزيز نضال الفئات المهمّشة وبلورة مقترحات بديلة في المجال الإقتصادي.

· تنمية المشاركة السياسيّة للنساء والشّباب في تدبير الشأنين المحلي والوطني.

· تعزيز الإندماج ألمغاربي والإفريقي للحركات الإجتماعيّة وتعزيز الصفّ المناهض للنيو-ليبراليّة.

بهذه المقترحات توزّع المشاركون على أربع ورشات تحت عناوين مختلفة.

الورشات:

توزّع المشاركون في المنتدى على أربع ورشات عرفت نقاشا ثريّا، الورشة الأولى كانت أكثر حضورا وجدلا تحت عنوان " الشباب والمشاركة السياسيّة" وتمحور النقاش حول أسباب عزوف الشباب ألمغاربي عن الممارسة السياسيّة والجمعياتيّة، وتراوحت الإجابات بين فرضيّتين هما التّهميش السلطوي كممارسة مُمنهجة أو حالة اليأس النفسي من إمكانيّة أن يكون للشباب دور في تغيير الواقع الراهن، بالإضافة إلى النظام التعليمي والتربوي الميكانيكي الذي تنتهجه الحكومات، دون إعفاء الأحزاب المعارضة من مسؤوليتها في عدم استقطاب الشباب وتأطيره وتنظّمه هيكليّا، وقد قدّم المشاركون أرقاما مفزعة ومُخيبة لنسب حضور الشباب في العمل السياسي والجمعياتي، وتبدو الجمعيات القاعديّة ولجان الأحياء مدخلا رئيسيّا للإنفتاح على الشباب واستقطابه، ومن هنا كانت تجربة الريزاك Résaq كشبكة تجميعيّة للجان الأحياء في كبرى المدن المغربيّة نموذجا لجمع وتأطير عدد مهول من شباب المدن وتكوينه في مجال الحراك الإجتماعي.

الورشة الثانية كانت تحت عنوان "الإقتصاد التضامني" أو ما يسمّى بالإقتصاد التكافلي أو البديل، وكان السؤال عن مبرّرات ظهور هذا المفهوم كرد مجابه للإقتصاد المتوحّش الذي يهمّش عديد الفئات الإجتماعية، ويكون هذا الإقتصاد التضامني نوعا من الحل الظرفي ويخلق مواطن شغل ظرفيّة لعديد الفئات الإجتماعيّة (باعة متجولون، منتصبون، حارسو العمارات، ماسحي الأحذية...)، لكنّ السؤال: إلى أي مدى يمكن لهذا الإقتصاد أن يكون بديلا للرأسماليّة المتوحّشة؟ أم هو حل ترقيعي تلفيقي يخفّف من حدّة التهميش والبطالة المتنامية في الأحياء الفقيرة؟؟

الورشة الثالثة اهتمّت بالمشاركة النسائية في العمل السياسي، فبعد نصف قرن من دولة الإستقلال ما زالت التشريعات التي أنجزتها الدولة الوطنيّة قاصرة عاجزة عن حماية المرأة أو حتى تشريكها في العمل السياسي والجمعياتي، بل إن نسبة الأميّة اليوم لدى النساء مازلت أرقاما مفزعة يضاف إلى ذلك الأشكال الجديدة للإستغلال والتمييز المسلّط على المرأة المرأة من طرف الجهات السياسيّة والإقتصاديّة، وقد اقترح المتدخّلون في الورشة تجاوز تأبيد تلك الإشكاليّة العقيمة للمساواة بين الرجل والمرأة من أجل طرح إشكاليات أعمق حول معاناة المرأة وإقصائها من العمل السياسي.

الورشة الرابعة كان محورها البيئة والتنمية المستدامة، وقد أشار المتدخّلون إلى أهميّة هذا الملف باعتبار أنّ الدول المتقدّمة كانت سباقة في الإنتباه لخطورة هذا الملف، وأنّ الإهتمام به في الدول النامية كان متأخّرا وبطيئا، من أجل فضاء نظيف ومجال فسيح للإنسان ألمغاربي هي صيحة فزع أطلقها المشاركون لتهاون الحكومات في معالجة آثار التلوّث البيئي، وما يمثّل ذلك من خطورة على الإنسان في صحّته وسلامته.

الرديّف... التجربة الأنموذج

حظيت مدينة الرديّف وتجربة الحركة الاحتجاجية بالحوض ألمنجمي بالتكريم والاحترام والنقاش، وطالب المتدخّلون بإدراج هذه التجربة في صلب المنتدى كنموذج متميّز للحراك الإجتماعي الصادر عن وطأة الخيارات الاقتصاديّة والتنمويّة الجائرة، وكان لسجين الحوض ألمنجمي عبيد خليفي مداخلة مطوّلة حول تجربة مدينة الرديف بمناضليها ونقابييها عدنان حاجي، وبشير العبيدي، وطارق حليمي، والطيب بنعثمان، وعادل جيّار، والحفناوي بنعثمان، وحسن بنعبد الله( القابع في السجن منذ 8أشهر)... وغيرهم من المناضلين الذين أسهموا في إخراج الشباب من هالة التّهميش الإجتماعي نحو حركة إجتماعيّة احتجاجيّة سلميّة من أجل الكرامة والشغل والتنمية العادلة، وأن الخروج بالشباب من حالة التهميش نحو حالة التّسييس يمرّ عبر لحظة وعي حاد بقيمة الإنسان وحقوقه مشفوعة بالتراكم النضالي، وأن الحراك الإجتماعي في الرديف والحوض ألمنجمي كان نقطة إلتقاء بين الأحزاب السياسيّة ومنظّمات المجتمع المدني والإتحاد العام التونسي للشغل بكل مناضليه وقواعده، وذهب المتدخّل عبيد خليفي إلى اعتبار أن تواصل معاناة الناشطين الإجتماعيين في الحوض ألمنجمي يعبّر عن عجز الحكومة التونسيّة عن إيجاد الحلول الكفيلة بتغيير مسار التنمية كما هو الحال في المناطق المنجميّة بالمغرب أو منطقة سيدي إيفني التي شهدت تحركات إجتماعيّة احتجاجيّة متزامنة مع إنتفاضة الحوض ألمنجمي في تونس.

هوامش...

كان المنتدى أنموذجا مصغّرا لمجتمع كبير، تعدّدت الأنشطة الفكريّة والورشات السياسيّة، ولعلّ النقاشات التي دارت على هامش المنتدى في زوايا المخيّم نافست فعاليات المنتدى الرّسمي، وهذا يعود لهامش الحوار المفتوح بين المشاركين الذين جاؤوا من مشارب فكريّة وسياسيّة مختلفة لشبكة من الجمعيات القاعديّة ولجان الأحياء تمثّل 160 جمعيّة منتظمة في تسع ديناميات لجميع أحياء الدّار البيضاء، وذلك التنوّع الذي طبع الحضور من شباب ومسنّين وذوي الاحتياجات الخاصّة والمشاركة النسويّة المتميّزة هو الذي فعّل الحوار الجانبي وأنعش المداخلات برؤية شاملة لمفهوم التنمية البشريّة وانفتاح الفئات الإجتماعيّة على الفضاءات السوسيوثقافيّة..

البيان الختامي: نحو داكار

صدر عن المنتدى بيان ختامي ندّد بالتضييقات التي تعرّض لها المناضل عبيد خليفي في المطار التونسي، كما ندّد البيان بمنع السلطات المغربيّة الحقوقي التونسي كمال الجندوبي من دخول المغرب، وعبّر المشاركون في المنتدى عن مساندتهم المطلقة لسكّان الحوض المنجمي في الجنوب التونسي من أجل التنمية والتشغيل.

عبّر المشاركون في المنتدى عن انخراطهم الكامل في الحراك الاجتماعي المناهض للعولمة والنيو-ليبراليّة المتوحّشة والتي تدفع أغلب الفئات الإجتماعيّة نحو التهميش والإقصاء والبطالة ولا تراعي البيئة في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان في فضاء نظيف.

كما شدّد المشاركون في المنتدى كممثّلين لمغرب عربي أن يتوجّهوا نحو داكار بالسنغال في فيفري 2011، أين سيعقد المنتدى الإجتماعي العالمي، برؤية موحّدة وتجارب متنوّعة من أجل مشاركة فاعلة تعبّر عن تطلّعات المجتمعات القاطنة جنوب البحر والمنتمية للدول النامية.

عبيد خليفي

الطريق الجديد عدد205

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

عبيد خليفي: تجـــاعـــيـــد

تجـــــاعـــيــــــد

ذات ليلة ناشدت عجوزا وهي ترتدي كفنها أن تعشقني، فابتسمتْ، ثمّ ضحكتْ، وانشغلتْ عنّي بكفنها وتجاعيدها مُشيحة عنّي بوجهها أبـــدا..

الشّفق يُداعب الرّموش لتصحو من غفوتها، الصّبح والفجر والشّروق والشّمس.. مفردات تحارب اللّيل منذ الغروب، خيوط الشّمس تنسجها أنامل عجوز في السّبعين لترتقي في سلّم الخلق والنّشور، هاربا من تفاصيل العذاب أنكُث عهدي للعاشقين، الأرض مليئة بالسراب واليباب، الوصل في أرضي فصل بين الحواري والجواري، أنا اعرفهم كصفحة يديّ، واستبينهم كماء الوجه ينضُو صُبحا وقُبحــــا:

للّذي يدري ولا يدري

الدّمع في المُقلة يجري

والشّوق في الأعماق يسري

للّذي يدري ولا يدري..

لم نعُد نُفرّق بين الجمال والعُهر

بين الشّوك والزّهـــر

بين جنون العشق ورصانة العقل..

للّذي يدري ولا يدري

أنام وحيدا

وأتخيّلني أدُسُّ رأسي

بين تجاويف الصّدر

ولكم أحصيُ فيه حبّات الرّمل..

للّذي يدري ولا يدري

وحيدا كئيبا

أشكو حالتي من قلّة الصّبر

فاسدا عاجزا

لا يملك من الدّنيا سوى الكفن والقبر

كيف لي أن أنوي

وأنت ملكت كلّ سرّي

الخير خيرُك والشرُّ شــــرِّي...

عبيد خليفي

12/10/2010

السبت، 24 يوليو 2010

عبيد خليفي: دعــــــه يتـعـفّـــن

دعــه يتعـفّن..

بقلم عبيد خليفي

دعه يتعفّن..

جاء الصيف والبحر والدّمع المؤجّل، ذهب العقل وانتفض الجسد يطلب شهواته الدّفينة.. حسن بنعبد الله يكتوي بنار السجن خلف قضبان لا تلين وعرق لا يهجع.. الفاهم بوكدّوس يرتجف من مصيره وقد استوى مددا وسجنا عددا.. وعدنان حاجي بين التهديد السافل والوعيد المبتذل يعتصر ألما لوجع رفيقة دربه.. جمعة السجينة بين تفاصيل الحياة والموت تريد أن تبقى له سندا.. ليس بيدك يا سيّدتي.. نحن نشتهي وهم أيضا يشتهون.. نحن نشتهي ما لا يشتهون، وهم خلف الأبواب المظلمة ينتظرون..

دعه يتعفّن..

ستمسك أيادينا بالرّائد الرّسمي لنقرأ تفاصيله.. عاش الاقتصاد الوطني حرّا منيعا.. عاشت المعامل ومصانع الساحل.. سحقا للمخرّبين المحرّضين للعاملات والعاملين.. صورة البلاد جميلة بهيّة وهم يريدون تلويثها بحبرهم الفاسد، الهواء نقيّ وهم ينفثون سمومهم القاتلة.. لا تقلقوا نحن في هدنة، الحاكم كما المحكوم كلّنا في فسحة، بيننا وبينكم الصيف ليفتحوا لنا أبواب الجحيم بعدها.. صـــه؟ بالعاميّة "سكّر فمّك"، أغلق فمك وأملأه بالدّقيق والتراب لتنسى الكلام أبدا..

دعه يتعفّن..

الحصار يضربني في الإتجاهات الأربع، لا بيت لي.. لا زوجة.. لا شغل يكفيني حاجتي من وجعي، أنا لا أملك قصورا ولكنّني بنيت جدارا وهميّا على شاشة من الضوء والهباء، وحلمت كثيرا.. صفحتي صحيفتي، تقرأني صديقتي وتنثرني عشيقتي.. رسمت بالحرف عالما باسما على جداري، لكنّهم لم يتركوه.. هدموا جداري وحجبوا حائطي.. سقط الحائط وهو من أصله ساقط.. صعد السّاقط على الحائط لينثر على وطني بعضا من كذب وغائط..

.. دعه يتعفّن..

تكاد روحي تتعفّن لكلّ الصفات الوطنيّة التي تلقّيتها في مدارسهم النّاعسة وشوارعهم البائسة، لم يبق في ذهني منها سوى الذي كتبته الأيادي المرتعشة على الأبواب الخلفيّة للمراحيض العمومية.. ز.. ع... اللّعنة على لغة تستحي منّي فلا تكتب، هي تتقن كيف تهرب من شروطها وقيودها.. الصيف حار ولهيب النّار أقلّ وطأة من العار، يقولون النّار ولا العار، ونحن نكتوي بهما معا في وطني الذي بدأ يتعفّن..

دعه يتعفّن

برهان غاب عنه البرهان، نثر وثرثر.. نحن عصابة والفاهم روّج للعصابة بكلّ دعابة، نحن نستحقّ سجنا وهو يستحقّ قصرا وحصنا، فهم اللعبة فثرثر ونثر من كذب وزيف ما غاب عن التوراة والانجيل.. الوطن مستقل، والقضاء مستقل، وحريّة التعبير مكفولة، والقفّة محمولة ومصائرنا مجهولة.. خجلت من وطني حين يصير أضحوكة عند الكلاب في لحظة الغياب..

دعه يتعفّن؟ من قال أنّـه لم يتعفّن بعد؟ صحفنا الوطنيّة ستثمّن، والشعب لن يخمّن.. روحي وعقلي ومصيري بين ثنايا الطّوائف يضيع بحثا عن جهنّم التي صنعوا ورسموا.. وطني يضيع بين أكاذيبهم خرقا ونسفا، الرّائحة نتنة كريهة كمفاهيم السياسة في بلادي، يضحكون منّا لأنّ الجثّة تعفّنت وهم يريدونها خلودا سرمديّا.. لكم البلاد والعباد يا صانعي الفساد وسارقي العتاد..

دعــــه يتعفّن، اللّعنة عليّ وعلى عفني وتعفّني وتأفّفي..