الجمعة، 9 أبريل 2010

بغـــداد: ليلة السقوط والذّاكرة الهـشّـة


سقطت بغداد.. هل ما زلنا نتذكّر؟؟ سقطت.. وفي السقوط يكون الجحود والقنوط.. وتكثر الأسماء والأشياء.. دجلة كذبـا والفرات عذبـا، وناظم نظما، العتابة حنينا للقصب الريفي، والمحراب العلويّ لبابل ينشد، وأربيل لا طيرا ولا الأبابيل، والكرخ والرصافة،، والعيون واسعة المحاجر تبحث عن جمالها في حروفي وجروحي.. سقطت بغداد نصف الكلام.. سقطت حين عزّ الملام ونحن نيــام...
الدبّابة تدوس الخيمة في ساحة الفردوس. والذّبابة تحطّ على جثّتي تمتصّ دمـي، الرّبابة تنحرني شجنا وجحيم الحمم تقذفه ذكرياتنا المرّة عبر البوّابات العتيقة وهي تفوح برائحة شراب العرق الفاســد، بحر من الخمر لن ينسينا مشهدا كهذا نعيشه مكرّرا مجرّدا..

سقطت الرايات، سقطت الحمامات، نحن سقطنا قبل البدايات السّاقطات في وحش النّهار، ونمت فينا تلك الأمسيات نبكي جروحنا، نجرّح خدودنـا، نلطم صـدورنـا ونحصي عثراتـنـا في المـرايــا..هـــل ما زلت تتذكّــر؟ بغداد تفوح بعرق الفاتحين من الحوض المكّي، أعرابا وأيتامـا على الجياد قادمون.. والنهر يحتضن الفارين من الشياح والعطش والأرض اليباب..

التاسع من أفريل، انتهى الفصل الأوّل من الموت النظاميّ بالخيانة المرعبة، التاسع من أفريل بداية للدمّ الفائر الفائض في الطرقات والأزقة والأنهار.. بحر من الدمّ لن يغسل خياناتنا القديمة والحديثة، بحر من الهمّ والغمّ يجثم على صدورنا ونحن نشرب نخب أمّـة خرجت من غار حراء تتظلّل بالنخيل وتتلثّم بالرمل من لهيب الصحراء..

بغداد.. التاسع من عمري بلا معنى غير الفجيعة والوجيعة والنكاح بلا شهوة في الهزيع الأخير من ليلنا المثقل بالهزائم.. وسننتصر على فروشنا الوثيرة باللّحم الأبيض الرّخيص المبتذل بالدّولارات، وستتذكّر حين يطول المخاض بالزانيات ونحن نخفي عورتنا أمام ذواتنا الموجوعة الموؤودة بالرمّل بين ثنايا الربع الخالي.. هناك حيث الدّفن على أصوله..

بغداد.. أنا ما عرفتها إلا خيالا، وحكايا ذاك الدّامي المهوس بها عن الاسم الذي يضيق بالمسمّى، والحسرة تغرق عينيه..سيّدي وحبيبي أنت منّا وفينا بالتي لا تحفظ غير اسمها وهي تهدم البيوت وتحرق القصب على ضفاف الأنهار وتهدر الأرواح لتدفن أشباه الأسماء في الأهــوار..

رأسي شاب وأنا رجل لا أعــاب، التاسع من أفريل للحزن الغوليّ والذاكـــرة المرّة لدير ياسين، وتونس، ولوقفتي بين الرجال من أجل الرجال، ولبغداد سيّدة المقام وهي تذبح بسكّين صمتي ونحيبي، وهروبي نحو بياض لا يغنيني عن فجيعتي بها نزيفا أزليّــــا..

عبيد خليفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق