الاثنين، 3 مايو 2010

عبيد خليفي: درس في الحساب والعتاب



أنا لا أتقن فنون العدّ والأوزان والمقاسات، ولدت فقيرا معدما، فنشأت لا أعرف الحساب، ولا كيف أقدّر المسافات كما النّهايات، نشأت عديما لا يتيما، نشأت عديما لا نديما..تعب معلّمي وهو يلقّنني الأعداد، تعب كثيرا، وربّما ضربني مهدّدا أو صفعني منهكا من ركاكة ذهني وهو لا يدري..

واحد، اثنان، ثلاثة.. وكنت أتوقّف جامدا عند الرقم سبعة، هل كنت أتنبّأ بهذا الرقم المخيف..

تسعة، عشـ...رة، والأصفار إن دخلت على الأرقام كان رعبي ووجعي، عقلي كان صفرا ولا يتحمّل الأصفار والأسفار.. لم تكن المئات والآلاف تعني لي شيئا، الدرهم كما الدينار ما دمت أتحسّس غيابه عن جيبي، وعن جيوب الفقراء من أندادي في حيّنا..

لم يكن أبي يملك ما يخاف عليه منّا ومن الجيران، ولكنّه كان يريد التوسّع في المجال، لم يطمح في سرقة ما ليس له، متران أو ثلاثة يسرقهما من الشّارع لتتّسع الغرفة لكوم العيال.. كبرت.. ليس لي مال أحصيه لأعــدّه، ليست لي أراضي ولا عقارات حتّى أقيسها بالأمتار والهكتارات..

علبة السجائر كانت كافية لتجعلني أشعر بالسعادة مطلقا، وقارورة خمر بائس تفّاحة سرقها آدم من قبل.. وآدم سرق، فكيف يلام لصوصنا بما نهبوا وسرقوا منّي ومنكم.. كبرت وكبر الفقر معي وكنت مطالبا بمعرفة الأعداد والمقاسات لأحصي للسارقين ما سرقوا، وللعصابات أملاكهم وأوطانهم وما نهبوا، كم نهبوا ما أملك... كم سرقوا منّي ما لا أملك..

الوطن من الخيرات يتثاقل كرمّانة ساعة الشّهوة، الوطن صورة أحلم بجنّته وثماره، هذا ليس لك.. ما الذّي كان أو سيكون لك.. لا شيء وأنت تنحت الصّخر لتعبّد طرقاتهم وتطوي جلدك بساطا أحمرا ملكيّا يسير عليه الضيوف والغرباء والجبناء..

إحصي لو استطعت لذلك سبيلا.. إحصي أنت في وطنك عليلا.. آن أوانك كي تتعلّم الحساب وتهجر العتاب.. آن أوانك كي تهجر الحرف نحو الرقم والعدد، هذا زمانهم الذّي لا يعترف بالكلمة الأولى "إقـــــــــــرأ".. إقرأ باسم الذي جمع مالا وعدّده، ومن جيوب الشعب نهبه وغرفه، من دمي نهشه وعفّـره ثمّ أكله وتبزّره..

في الألفيّة الثالثة نحن، ستدرك أن الألفيّة الأولى كانت للأنبياء وحيا مطلقا، وأنّ الألفيّة الثانية كانت للشعراء عشقا مطلقا، وأنّ الألفيّة الثالثة للّصوص الجبناء نهبا مجرّدا.. وستدخل جنّتهم إن رضوا عنك فلا تبتئس منّي وممّا أكتب تهويما خرافيّا..

لأتعلّم العدّ والحساب سأرتدّ بلوحي الى الكتّاب، يعفّرني التراب، وعصا المؤدّب لا تهاب، لم تعد تسلّط على ظهري موجعة، ولكنّها ستطرد الذّباب والذّئـاب والعذاب..

عبيد خليفي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق